الأربعاء، 25 أغسطس 2010

الفرق الغنائية وتداعيات السقوط والصمود

الموصلي والهادي جمعة وعلاء الدين سنهوري لـ(تعارف):
الفرق الغنائية وتداعيات السقوط والصمود
تقرير: وفاء أحمد
السودان مقبرة الفرق الغنائية، هكذا يُفهم من الأحداث والنعش الذي ظل يصاحب ميلاد معظم الفرق الغنائية في السودان؛ فما أن يعلو صوت أحداها ويصبح لديها جمهورها الذي يحرص على مداومة لياليها وحفلاتها، حتى تعلن ذات الفرقة أن لديها مشاكل حالت دون مواصلة مسيرتها، ربما تؤثر بعض الفرق التبرير لتلك النهايات، لكن ذلك لا ينفي وجود العديد من العوائق التي حالت دون استمرارها؛ وخاصة أنها ستتضح بلاشك في مصدرها الاجتماعي.
وبنفس مشاهد سقوط العديد من الفرق الغنائية من بينها، (الخرطوم، أولاد البيت، ...الخ)، شهدت الساحة الفنية ميلاد بعض الفرق الغنائية كفرقة (فضاءات محايدة)، وهذا يدعونا للتساؤل حول الكيفية التي تدار بها هذه الفرق، فضلاً عن الأهداف التي نشأت من أجلها الفرقة، وهنالك حديث أطلقه بعض المهتمين والمراقبين والموسيقيين حول التمويل والإدارة وقيادة الفرقة، مشيرين للعلاقات الاجتماعية التي تساعد على انسجام المجموعة وصمودها.
استهدفنا هنا تجربة ثلاثة من الفرق الغنائية وهي (ساورا، عقد الجلاد) والفرقة حديثة العهد (فضاءات محايدة)؛ بغية التعرف على ما تحتاجه الفرق الغنائية لتشكل حضورا مستمرا داخل جمهورها وهي تعبر عنه وعن قضايا، نريد من ذلك أن نفتح منافذ ربما قد تعرفنا بعوامل سقوط وصمود المجموعات الغنائية.
يقول الهادي جمعة، أحد أعضاء ومؤسسي فرقة ساورا، (فكرة ساورا طرحتها مجموعة من طلاب المعهد العالي للموسيقى والمسرح، أرادوا حينها تقديم أفكار غير مطروقة، سواء في التأليف، أو النصوص الشعرية، أو الآلة المستخدمة. وجاء الاسم ليعبر عن هذا الطموح، فساورا شلال في جبل مرة، يصب الشلال في البحيرة بثلاثة ألسن، لكل لسان صوت يختلف عن الآخر، وحينما تنعكس عليه أشعة الشمس تكون قوس قزح).
وعن العوائق التي ظلت تلاحق ساورا يقول: (واجهتنا إشكالات فنية وإدارية، وكفرقة موسيقية أنصب تركيزنا على الجانب الفني بشكل أكبر، باعتبار أن الإدارة هدفها تشغيل الفني وضبط حركته؛ ونفتقر الآن إلي العازفين؛ لكننا اتفقنا على التسجيل الموسيقي وتجهيزه ثم الغناء الحي عليه، وهذا لا يعني أننا استغنينا عن العزف الحي).
ويرى جمعة أن ما يميز ساورا عن غيرها وجعلها تصمد طوال هذه المدة هو تمسكها بالفكرة رغم المعوقات المستمرة، ويضيف: (ما يميزنا هو النص الشعري والتجريب على آلات النحاس بنحو مختلف وجديد).
ونفى جمعة أن تكون ساورا هي مجموعة صفوية، وقال: (قدمنا أغنيات للدوش، ومجدي النور في محاولة لاستيعاب كل الجمهور، ولكننا لم نهمل الصفوة؛ لأن التطور الطبيعي يدل على أن الكل سيصل لمستواهم)، وأستدل جمعة بتجربة الفنان مصطفى سيد أحمد، وقال: (مصطفى يسمعه عامة الشعب بالرغم من أنه جاء بنصوص مختلفة ونمط جديد آنذاك، وإذا تحدث البعض بأن ساورا صفوية فذلك جائز، ولكن خطوة.. خطوة سنستوعب بعضنا).
وبعد تأكيد جمعة على وجود مشاكل فنية وإدارية صاحبت ساورا، تحدث عن تجربة عقد الجلاد، مبينا أنها تمثل تقنيناً للغناء الجماعي بإضفاء علوم الموسيقى، وإضفاء النص الشعري الدرامي بأصواته المتعددة، وخلق مؤسسة راسخة فنياً وإدارياً، وخلق علامة في تاريخ الثقافات الغنائية في السودان.
توجه بعدها (تعارف) مع (الهادي جمعة)، لمركز الخاتم عدلان، حيث يتدرب كورال فضاءات محايدة بقيادة الموسيقى علاء الدين سنهوري، وطلبنا من جمعة تقيم الكورال، وبعد أن أستمع وشاهد لما يقارب الساعتين البروفات التي كانت تقيمها فرقة فضاءات محايدة قال: (انطباعي الأول أنهم يملكون الاستعداد والرغبة، وخاصة أن لديهم مشرفاً موسيقياً يمتلك قدرة لحنية عالية وصبراً وخبرة في العمل مع الكورالات، ولكن الصعوبة التي ستواجه مشرفهم، هي كيفية ضبط وتوظيف هذه المجموعة الضخمة من الأصوات بمختلف أجناسها).
قابل بعدها (تعارف) الموسيقار يوسف الموصلي، وساءلناه عن تداعيات السقوط والصمود؛ مشيرين بذلك إلي فرقة (عقد الجلاد وساورا) فقال: (عقد الجلاد هي أكبر فرقة غنائية في تاريخ السودان بنيت على فكرة الغناء؛ لتخاطب بذلك مجتمعات الوطن ووطن المجتمعات، وتعتمد بشكل أساسي على الصوت البشري أكثر من اعتمادها على الآلات الموسيقية، إلا أنها، وعلى الرغم من ذلك، تستخدم الآلات مثل الكهربائيات بأنواعها، بالإضافة للآلات الإيقاعية، وأحياناً تستخدم آلة العود بشكل فيه توظيف).
ويضيف الموصلي متحدثاً عن عقد الجلاد: ( يعيبها ما يعيب الفرق الجماعية الأخرى التي من الصعب أن تتحد الآراء فيها).
وعن ساورا يقول: (ساورا هي فرقة غنائية موسيقية تعتمد على الغناء مثل عقد الجلاد، إلا أنها تعتمد كثيراً على آلات النفخ النحاسية مما يعطي طابعاً مختلفاً من حيث اللون الصوتي، لكن الناتج الإجمالي والصورة عند (عقد الجلاد) أكثر نعومة منها عند (ساورا) كما أن النص في (ساورا) أكثر ثورية منه عند عقد الجلاد، ويبدو أن الحالة الاقتصادية قد أثرت في الطريقة التي تؤدي بها باستخدامها ما يسمى بـ"ماينص ون"، كأن تكون هنالك موسيقى مسجلة يغني معها المغنون).
ويوضح الموصلي ان الفرق الغنائية بشكل عام، تتطور من خلال النقد الذاتي، ومراجعة النفس الفنية الأمارة بالتجاوز عن القبح – محاولاتها للإتحاد حول الأهداف الأساسية – بالابتعاد عن إدخال الشئون الخاصة في شئون الفرق الغنائية
توجهنا لمشرف فرقة (فضاءات محايدة) علاء الدين سنهوري، والذي تحدث لنا عن تجربة (عقد الجلاد) قائلا: (اكتملت تجربة عقد الجلاد في شكلها ومضمونها، وقدمت كل ما لديها من مغاير وذلك بالرصد والحساب).
ويضيف قائلا: ( انتمت عقد الجلاد شعرياً للتيار المجدد في النص العامي والفصيح مفتوح الدلالة، وعملوا على إنتاج نص موسيقي موازٍ يضيف سياقاً دلالياً وفضاء جمالياً جديداً للعمل، ولكن الأهم هو ملمحهم الخاص حينها - أعني بدايتهم في منتصف الثمانينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن المنصرم – هذا الملمح هو توظيف الصوت البشري في تعدد هارموني، لتقديم الأغنية موزعة على أكثر من خطين هارمونيين، ظل هذا الملمح هو المقولة الأساسية لتجربتهم لزمن طويل وأكدوا عليه في أغلب الحوارات التي أجريت معهم في تلك الفترات، مؤخراً بدا لي أنهم إما قد غيروا هذا الملمح، أو تخلوا عنه؛ حيث وضح توظيفهم للصوت البشري في الأداء (صولو)، والرهان على الجمالي لدى (الصوليست) أكثر من الرهان على الأداء الهارموني كما كان مسبقاً، والآن (عقد الجلاد) ربما قدمت أو تقدم جديداً من الغناء ولكنه ليس مغايراً).
وينتقل سنهوري للحديث عن (ساورا) ويقول: (ساورا تجربة لها ما يميزها عن عقد الجلاد، وليس كما يشاع، فمشروع ساورا اعتنق ذات المدارس الشعرية الجديدة وإن كان قد انتمى لها تماماً، فنجدها غنائية مكثفة الجمال والترميز والرهان، ويمتلكون قدرة على إدارة المعرفة والخيال لدى المتلقي، صاحبت هذا نصوص موسيقية تجريبية جريئة؛ لكن الأهم من كل ذلك هو ملمحهم الخاص وهو الصوت البشري.. غناء جوقة من آلات النفخ النحاسية كشكل جديد لإظهار جماليات هذه الآلات، والتي لم يكن متعوداً عليها كجوقة إلا في موسيقى الجيش والشرطة؛ وهذا ما قالوه وكتبوه في بيانهم الثقافي الذي قدموا أنفسهم من خلاله، ولكن ولظروف البلاد أخذ عدد الآلات في تناقص لتصبح واحداً في الكاسيت الأول لهم، واستعاضوا عنها بالأورغ في الكاسيت الثاني، ومؤخراً ولمواجهة الظروف تراهم بلا آلات نفخ؛ بل ومؤخراً بلا آلات على المسرح معتمدين على الغناء بمصاحبة موسيقى موزعة ومنفذة إلكترونياً)، أرجع سنهوري مسألة ضعف أو قلة انتشارهم للعقل الإداري لديهم، ولواقع البلاد وتعقد الظروف فيها زائداً عسف السلطة في وجه مشروعهم لزمن طويل.
وعن فضاءات محايدة أشار سنهوري لبعض العوامل التي قد تؤكد استمرارية وصمود فضاءات محايدة وقال: (هو مشروع خاص بمنظمة مجتمع مدني "مركز الخاتم عدلان"، وجمهور هذا المشروع طلاب بالجامعات، وأهدافه واضحة وكثيرة، أهمها التسامح والكرامة وقبول الآخر، وأدوات إنجازه متعددة منها تطوير القدرات في مجالات شتى منها الثقافية والفنية)، غير أن سنهوري رفض تقييم فرقة ف"ضاءات محايدة" معللاً لذلك بقوله: ( بما أنني معني بآمر الكورال، فلا يمكن أن أحكم عليه وأحاكمه وأقيّم تجربته، وخاصة أن الكورال قد تكوّن منذ عدة أشهر فقط، وهو الآن في مرحلة الإعداد، فضلا عن أن العاملين في/ على كورال فضاءات لا يرغبون في طرحه كمجموعة غنائية فنية منافسة على الأقل في الوقت الراهن، فضلا عن أن شهادتي ستكون مجروحة لكوني المشرف الموسيقي، والمعني بتدريبهم، وتطوير قدراتهم، ومدهم بالأعمال الفنية وتوزيعها، ولاحقاً تنفيذها وعرضها، لكن تقييم هذا النشاط الموسيقي متروك للمتلقي والمهتمين).
وعن تسمية الكورال والمشروع بـ"فضاءات محايدة" يقول: (على مستواي الشخصي أنا متحفظ على مفردة "محايدة" لكن على المستوى العام أقبل العمل من خلالها بعد حواري مع القائمين عليه، وتفسيرهم الدلالي للصياغة عبر منفستو المشروع).
وهنا يجب أن نشير إلي أن كورال (فضاءات محايدة) قد تم التجهيز له في يوم 21/4/2010م، حيث ضم مجموعة طلاب وطالبات الجامعات المختلفة من بينها (جامعة الخرطوم، السودان، النيلين، الجزيرة، جوبا، أم درمان الأهلية )، وانضم حينها للكورال اكثر من (60) صوتا، وتمت المنافسة بين الطلاب، وبوصول يوم التدشين وصل أعضاؤه إلي (25) عضواً، تدرب الكورال على مدى ثلاثة أشهر تحت قيادة الموسيقي علاء الدين سنهوري، حيث تم تدشين الكورال يوم الأربعاء 21 يوليو 2010م بمركز الخاتم عدلان، وقدموا حينها عدداً من الأغاني من بينها (شملة كنيزة كلمات محمد طه القدال، الناس الساءت أخبارا كلمات مدني النخلي، حلول كلمات علاء الدين سنهوري، شمس كلمات الشاعر مريد البرغوثي، ما كان أخير كلمات عاصم الحزين، شجرة ضو كلمات فيصل عبد الحليم، الخرطوم بدونك كلمات تاج السر عثمان الطيب)
ما يمكن قوله وفق ما ذهب إليه (الموصلي، جمعة، سنهوري) أن قيام أي مشروع فني يعني بالضرورة وجود رسالة/ هدف، وتختلف الأهداف على حسب وعي وجدية الفرقة بمشروعها الذي ستطرحه ويعبر بالضرورة عن رؤيتها للواقع السوداني، غير أن توصيل الرسالة وصمود الفرقة يحتاج لتجانس بين أفرادها، ولقائد لديه مقدرة على إدارة الفرقة وتوظيف إمكانياتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق