الخميس، 26 أغسطس 2010

واسطة خير قواسم ثقافية

واسطة خير
قواسم ثقافية
عباس الحاج الأمين
alhaj.abbas@yahoo.com
هناك كثير من القواسم الثقافية المشتركة، تجمع بين السودانيين يلتقون في بعض أطرها العامة ويختلفون في بعض تفاصيلها الداخلية الصغيرة، فإذا نظرنا إلى طقوس العبور أو الطقوس الادخالية التي يعبر بها الإنسان من مرحلة (حياتية) إلى أخرى (مثل طقس الموت) أو يدخل عبرها إلى مرحلة جديدة مثل دخوله القفص الذهبي، نلقى في هذه الطقوس تشابهاً كبيراً عند كل السودانيين، بل إن شئنا الدقة تثاقفاً مذهلاً، حيث تتمازج في الطقس الواحد كل (طعوم) الثقافات الإنسانية التي عاشت في أرض المليون ميل مربع أو مرت منها.
خذ مثلاً طقس الولادة، الذي يمر بثلاث مراحل: ما قبل، أي شهور الحمل وأثناء وبعيد الولادة أي لحظة الوضوع أو الانجاب، ثم بعد الولادة (منذ السماية وحتى خروج النفساء من بيت النفاس بعد الأربعين). في هذا الطقس نلمح ملامح الوحدة الوطنية التلقائية في أبهى صورها، ففي كل صقع من أصقاع السودان هناك عناية فائقة بالحامل، ثم اتفاق حول المعتقدات التي تدور حولها وصول الزوج، وحول الجنين لعلّ أشهرها أن الزوج لا يذبح ولا يؤذي حيواناً مادامت زوجه حبلى اعتقاداً منا نحن السودانيين أن ذلك سوف يترك اثراً ما على المولود ومن هنا يأتي تفسيرنا لبعض التشوهات التي يولد بها الأطفال، وعلى ذلك أيضاً قياس الوحم الذي يؤدي إلى الوحمة، وهذا الاعتقاد من القواسم الثقافية المشتركة، ولا أظن أن هناك مجموعة ثقافية سودانية بمنأى عن مثل هذه الاعتقادات/ التصورات المرتبطة بالحامل، ثم ما يلي ذلك من اعتقاد حول ظاهرة التواءم، ثم حول ظاهرة الطفل البدلي/ المُبدَّل الذي تبدله الجن، إذ تأخذ الطفل المعافى (حديث الولادة) وتضع مكانه الطفل المشوه أو المعاق handicapped ما يوحدنا كسودانيين كلنا (قاعدين نفتكر انه التيمان بتقلبوا بالليل كدايس)!!
إذا تركنا طقوس دورة الحياة البشرية كمستودع ضخم للقواسم الثقافية المشتركة بين السودانيين وكمختبر جماعي تام الصلاحية والجودة لقياس الوحدة الوطنية ونظرنا إلى الموسيقى – أعني الموسيقى الشعبية أو موسيقى السلالات Ethnomusic نجد أن السودانيين كل السودانيين متمسكون بأهداب السلَّم الخماسي، ويجري في دمائهم الايقاع الأفريقي، حتى غلاة العنصرية العروبية الذين (يغنون بلسان ويُصلّون بلسان) فإن فصيلة دمهم الموسيقية 5+African أي السلم الخماسي الأفريقي، بل حتى صلواتهم بالخماسي، ثم تعبيرهم عن حبهم لنبيهم "صلى الله عليه وسلم" على ايقاعات أفريقيا الصاخبة و(الفحلة). هذا باب للبحث واسع.
ما تجدر الإشارة إليه بخصوص الموسيقى كرابطة من روابط الوحدة الوطنية، المواد المحلية التي تصنع منها الالات الموسيقية الشعبية ثم انتشار بعض هذه الالات في كل أرجاء البلاد خذ مثلاً الربابة – الطمبور- الباسنكوب- أم كيكي- الخ نفس الآلة فقط الاختلاف الطفيف في الأسماء المحلية وفي بعض ما تصدر من موسيقى.
خلاصة القول أن القواسم الثقافية المشتركة بين السودانيين أكثر من أن تعد أو تحصى وهي موجودة أمام ناظري كل عدسات كاميرات الآلات الإعلامية لكنها لا تراها لسبب بسيط هو أن الذي يرى هو من يحمل الكاميرا وليست العدسة ومن يحملون الكاميرات في السودان الآن لا يريدون أن يروا سوى ما يفرق لا ما يوحد ثم لا يعترفون بما بين المهمشين، كل المهمشين من قواسم وهموم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق