الخميس، 26 أغسطس 2010

رئيس مجموعة التنمية من الواقع الثقافي لـ(تعارف)

ـ المورثات الثقافية تستطيع فض اشتباكات الواقع، وإبراز خصوصية إنسان دارفور
ـ نحن لا نعادي ولا نهادن السلطة.. ووراء كل أزمة سياسية أزمة ثقافية
ـ بما أننا جزء أصيل من درافور فنحن أكثر دراية بقضاياها الثقافية
ـ حاولنا توظيف الأمثال الشعبية في تحقيق السلام الاجتماعي

حوار: عبد الرحمن آدم
اعتاد القارئ علي سماع أسماء مراكز وجماعات ثقافية بعينها، وعلي شخوص محددين اعتادوا بدورهم الظهور المتواصل في وسائل الاتصال الجماهيري، ربما قد لا يعلم البعض أن ما يشاهد أو يسمع أو يقرأ في تلك الوسائل لا يعبر في كثير من الأحيان إلا عن الخرطوم ومراكزهم، وهذا ما دفعنا اليوم للجلوس مع عبد الرحمن محمد أحمد عنقال، رئيس مجموعة التنمية من الواقع الثقافي، للتعرف علي المشهد الثقافي في دارفور، وفي الفاشر علي وجه الخصوص، وخاصة أن المجموعة تعتبر من كبرى الجماعات الثقافية بدارفور، وظلت تُقدِّم فعاليات ونشاطات ثقافية من شأنها التعريف بالمورثات الشعبية وقضايا المنطقة وتعزيز السلام الاجتماعي، وتعمل على إبراز الوجه الآخر لدارفور وإبراز الخصوصية الثقافية لسكان الإقليم، ولكن ذلك لا ينفي أن النقد والاتهامات قد لاحقت المجموعة، جلسنا مع عنقال في داره بالفاشر، حى الجيل، فكان هذا الحوار:
لماذا اخترتم "التنمية من الواقع الثقافي" اسما للمجموعة، وعرفنا بالبدايات والأهداف؟
انطلقنا فى العام 1999 كمجموعة ثقافية تضمم في تكوينها عدداً من المُثقفين والمبدعين من مختلف ضروب الفنون والإبداع.
وجاء اسم المجموعة من التنمية، من داخل الواقع الثقافي؛ ليعبر عما ندركه، وهو الواقع المتنوّع والمتعدد اثنيا وثقافيا، نحن نتحدث عن تاريخ عمره 600عام، أي منذ العام 1450م، حيث كانت حينها دارفور دولة قوية، استطاعت أن توحد أبناءها في كتلة واحدة، كما استطاعت أن تحتوى الآخر، فالوفود كانت تأتي من مصر وليبيا وتونس، ومازالت مستقره إلى يومنا هذا، فهنالك أقباط، وتوجد أسر ذات أصول ليبية، مثل أسرة أبو صفِيته أو كما يعرفوا (بالفِيزان)، وهم يقطنون/ يمتلكون حى بالفاشر.
كما استطاعت دارفور كسلطنة ان تمد وشائج التواصل مع الدول الأخرى، مثل الإمبراطورية التركية، ومع الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا، ونحن في (مجموعة التنمية من الواقع الثقافي) لم ننطلق من مكان أجوف؛ بل من ضمير جمعي، وفي ذات الوقت واعٍ بالذات وبالآخر، نحن نرنو إلى استغلال هذا الماضي الزاهر بغية استيعابه في حاضرنا، ونقصد بالتنمية، التغيير في حياة الناس، مستندين علي محاميلنا الثقافية الراسخة وما تحمله من تراث، حيث الجوديه، والنفير، وأغاني الحكامات، والأمثال الشعبية، فالمورثات الثقافية لديها القدرة علي في فض اشتباكات الواقع، وإبراز خصوصية إنسان دارفور.
حينما نتحدث عن دارفور، نحن نشير إلي منطقة مأزومة بالصراع، فـ إلي أي مدى نجحتم في فض الاشتباك ؟
استطاعت مجموعة التنمية من الواقع الثقافي أن تبرز دور منظمات المجتمع المدني، وذلك إبان اندلاع أزمة دارفور. وبدورنا استقبلنا أول فوج من النازحين الذين قدموا من منطقة (طويلة وكورما)، أي بعد اندلاع الصراع مباشرة في العام 2003م، وقدمنا لهم العون، حيث استطاعت المجموعة أن تمتص الحساسية الاجتماعية المفرطة ،الناتجة عن الصراع، ولم نتوقف عند هذا الحد بل أنتجنا حينها شريطين كاسيت، جاء الأول حاملا أسم (سلام دارفور) وهو عبارة عن أغنيات على إيقاع (الفرنقبية)، والكاسيت الثاني أحتوي علي أمثال شعبية، تم من خلالها إبراز تاريخ دارفور، وتجربتها الإنسانية في حل المشاكل. حاولنا عبر الكاسيت الثاني الذي جاء بصوت الفنان فتحي الماحي، توظيف الأمثال الشعبية، وخاصة ذات الصلة بالصلح والعفو بُغية تحقيق السلام الاجتماعي، وأنتجنا في (تنمية من الواقع الثقافي)، أكثر من عشرة ألف شريط كاسيت، وتم توزعيها على كافة معسكرات دارفور، وعلي سكان الإقليم، ومناطق مختلفة من بقاع السودان، كما قمنا بتوزيعها علي المفاوضين والوسطاء الدوليين، في مفاوضات (سرت) والتي كانت في العام 2006م، وشركاء السلام أشادوا بها، وبعضهم قام بتسجيلها لتوزع في دول مختلفة من العالم.
أنت تتحدث عن مجموعة لديها مشكلة في التمويل، فمن أين جاءت الأموال، لإنتاج عشرة ألف شريط؟
الحصول علي التمويل هو أمر صعب ومعقد، وأحيانا مستحيل، ولكننا حصلنا عليه من دعم قدمته لنا منظمة (DAI) الأميركية، وهذه المنظمة دعمت أغلب منظمات المجتمع المدني العاملة في دارفور.
بما أنكم معنيين بالتنمية، عبر الإلمام بالواقع الثقافي ومن ثم تسخيره في قضايا دارفور، فكيف تنظرون للأزمة الناشبة فى دارفور؟
تتفق قراءتنا للصراع مع ما قاله دكتور حيدر إبراهيم بأن وراء كل أزمة سياسية أزمة ثقافية، والأزمة الناشبة بين المكونات الإثنية استمرت لانعدام ثقافة الحوار، وهذا الأخير هو المدخل السليم الذي من شأنه تقليل العنف، وانعدام الحوار والمواعين الثقافية هو السبب لما نحن فيه الآن، فلابد من أن تتسع مواعين الحوار الشفافة لكل السودانيين وحتما سنحصل في نهاية الأمر على ما نفقده.
التنمية من الواقع الثقافي، متهمة بأنها تضم النخبة المستنيرة لمجتمع الفاشر، وبالتالي لا مكان للآخرين؟
هذا اتهام غير صحيح، ويخلو من الموضوعية، لأننا منفتحين على كل الناس، والعضوية تمنح لكل من هو/ هي قادر/ة على العطاء، ودارفور لا توجد فيها ما يمكن تسميته بالصفوة أو النخبة، لتحتكر هكذا نشاطات، النخبة في دارفور غير موجودة إلا في مخيلة من يقولون ذلك، ولا يوجد أي شخص من الفاشر يستطيع الإدعاء بأن جده الثالث أو الرابع قد ولد هنا، فكل أصولنا ترجع للأرياف غير أن دارنا مفتوح للجميع.
طالما أنتم ملمين بطبيعة الصراع في دارفور، فهذا يعني إدراككم ممارسة السلطات فيها، وهي بالضرورة تعلم الكثير عن نشاطكم، فهل بينكم شراكة أو مهادنة أو عداء، وفي ذات السياق هل لديكم شراكات مع الجماعات الثقافية الأخرى؟
نحن لا نعادي ولا نهادن، لقد نجحنا في أداء دورنا بعيداً عن الحكومة، بمعني أننا مستقلين ماديا، ولم نتلق منها أي معونات، لقد أجبرنا الكل على احترامنا، وأحيانا يحضرون فعالياتنا لا غير.
لكن لدينا علاقات بالمجموعات الثقافية الأخرى، وعلي سبيل المثال لدينا تعاون مع جماعة المشِيِش الثقافية بنيالا، واتصالات مع مركز مالك عقار بالنيل الأزرق.
يلاحظ أن (المركز) ظل مسيطرا علي الخطاب الرسمي ومراكز إنتاج الخطاب، وفي الخرطوم حيث أغلب مؤسساته تسيطر علي الخطاب كما يتحدث بلسان الآخرين، هل حاولتم أن تُعرفوا عن أنفسكم وقضاياكم دون وجود وسطاء؟
الأمر معقد جدا، لكننا نسعى إلى تغيير المفاهيم السائدة، ونحن لا نلقي كامل اللوم علي المركز وحده، لان إنسان الهامش أيضا كسول تجاه حقوقه، ونحن نسعى بدورنا لتغيير النظرة الانطباعية عن إنسان الهامش، وذلك عبر إبراز الجوانب المشرقة، وفي ذلك تفوقنا علي عدد من المراكز، ويمكن الاستدلال علي ذلك، هو تحالف المبدعين من أجل سلام دارفور، والذي جاء بمشاركة عدد من المثقفين والمبدعين، مثل: (عمر إحساس، عالم عباس، عبد الله آدم خاطر)، وبمشاركة بعض من منظمات المجتمع المدني، وكان الهدف من التحالف هو التأكيد علي دور المبدعين، وإسهامهم فى إحلال السلام فى ربوع الإقليم، وما يجب تأكيده أننا حينما نتحدث عن الإقليم وقضاياه الثقافية، فنحن أكثر دراية به، لا لشيء سوي أننا جزء أصيل مما نتحدث عنه.
وجماعة التنمية من الواقع الثقافي شرعت فى إنتاج فيلمين الأول عن (الجودية) والثاني عن (الحاكورة)، والحاكورة واحدة من أسباب النزاع الحالي، أما الحاكورة تاريخا، فهي تحفيز من السلاطين للمبرزين فى المجتمع، حيث لم تكن هنالك أوسمة أو نياشين، بل تُمنح قطعة من الأرض بغرض أن تزرع، وهنالك نموذج حاكورة (ودعماري)، وهو شيخ خريج الأزهر منحه السلطان على دينار حاكورة فى منطقة طويلة غرب الفاشر، تمت زراعتها تمباك، ومن هنا جاءت التسمية للتمباك، بتمباك ودعماري تعبيرا عن الجودة.
وبعدان نفرغ من إنتاج الفلمين، سنعمل علي توزيعها على معسكرات النازحين؛ لأن الرسالة المضمنة داخل الأفلام تهدف لترسيخ السلام الاجتماعي، وسنهديها أيضا إلى فضائيات بعينها، وفي العيد سنبدأ فى تسجيل الأغنيات الخاصة لعدد من الفنانين والشعراء من دارفور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق