الخميس، 26 أغسطس 2010

Isaac Asimov ايزاك آسموف بورتريه




Isaac Asimov ايزاك آسموف
كاتب وبروفسير في الكيمياء الحيوية، ولد في بيلاروسيا في يناير من العام 1920، هاجرت أسرته إلى أمريكا وهو في الثالثة من عمره، اشتهر برواياته في الخيال العلمي، نال العديد من الجوائز وسمي باسمه أحد البراكين بكوكب المريخ، توفى في العام 1992 بمدينة نيويورك.. من أشهر مؤلفاته (الآلهة نفسها) و(باعة الموت).
البورتريه من مدونة طلال الناير

المُثقّف الإلكترُوني.. هل له تأثير على المجتمع؟

تقرير: هشام الطيب
عبر مُحرِّك البحث "قوقل"، وما أن تكتُب كلمتَي "مُنتديات سودانيّة" و تضغط على زرِ الإدخَال حتى تتدفق أمامكَ أعداداً مهولة من الصّفحَات التي تحملُ أسماءً لمنتدياتٍ سودانيّة مختلفةً في اهتماماتها وتخصّصاتها، وبضغط زِر الإدخال على أي عنوان من تلك المُنتديّات ستجد نفسك تتجوّل داخل صفحات حواريّة مقسّمةً - في الغالب - من الداخِل إلى أقسام عديدة، وستجد أنّ الأكثر فاعليّة منها هي الأقسام السياسيّة، الثقافيّة، الرياضيّة، وما أن تدخُل إلى أحد تلك الأقسام حتى تجد أنه متخمٌ بالمواضيع والـ"بوستات" التي تَطرح في مضمونها قضايا وأفكاراً عديدة، بعناوين متداخلة؛ وستجد أنّ الحوار داخل "البوست" به كميّة ضخمة من التعليقات لأشخاص/ أعضاء/ مسجلين بالمنتدى الإلكتروني، فالكُل قد وجد مكاناً يطرح من خلاله أفكاره، رؤاه، مواضيعه، دون عناء، وبضغطة زر يمكنه أنّ ينشر آلافاً من المواضيع والأطروحات في شتى المجالات، لكن ثمة أسئلة كثيرة ستجول بذهنك وأن تقرأ في تلك المواضيع والتعليقات أولها: هل لهذا النقاش الإلكتروني فاعليّة مؤثرة ؟ وهل هؤلاء المثقفين الإلكترونيين قادرون على إدارةِ حوارٍ فعّال؟ وهل لهم القدرّة في التأثير بأطروحاتهم هذه على المجتمع؟ وكما مهولاً آخر من الأسئلة التي ستأتيك تباعاً.
فالمنتديات الإلكترونيّة التي يتواجد بها المُثقّف الإلكتروني المقصود هي عبارة عن مواقع تفاعليّة مجانيّة، مفتوحةً للجميع زوار شبكة الإنترنت، إذ يحصُل المشترك فيها على كلمة مرور واسم عضويّة، يختارها بنفسه، وبعدها تتاح له جميع خصائص المنتدى والتي تتمثل في إمكانيّة الحوار ومناقشة الأفكار المطروحة وإدراج المقالات بشكل مباشر.
والمتابع للساحة الإلكترونيّة في هذه الأيام يجد أنّ هذه المنتديّات قد أصبحت في ازديادٍ بصورةٍ كبيرة، يُصاحبها ازدياد في عدد أعضاءها، فعلى حسب موقع إحصائيات المواقع العالمي "أليكسا" نجد أنّ هنالك منتديات سودانية يبلُغ عدد أعضائها أكثر من عشرة ألف مشترك؛ الشيء الذي يقودنا لمعرفة ما إذا كان لتلك الأرقام الهائلة من الأعضاء تأثيراً على نطاقات المُجتمع.
سألنا عابد ضرار، مُدير منتدى إلكتروني على الإنترنت، عن ما إذا كان هنالك تأثير للمثقف الإلكتروني، وعن الكيفيّة التي يؤثر بها ذلك المُثقف على المُجتمع، فقال:( المُثقّف التفاعلي أو الإلكتروني يمكنه أن يصنع لنفسه قاعدة داخل الوسط الإلكتروني الذي يتواجد فيه، سواء كان ذلك في منتدى أو في صحيفة إلكترونيّة، أو غيرها من المنابر الإلكترونية الموجودة على الإنترنت؛ ومن خلال تلك القاعدة يستطيع أن يبثُ أفكاره ومشاريعه لمن هُم حوله، من قراء مثلاً أو مشاركين إلكترونيين، وبالتالي يمكنه أن يُصبح مؤثراً فيهم بالأطروحات وهذا التأثير يُصيب المجتمع بصورةٍ غير مباشرة) وأبان ضرار أنّ كثيراً من الأطروحات الإلكترونيّة قد كان لها تأثيراً كبيراً في قطاعات المجتمع، وقال:( على سبيل المثال، طُرحت في منتدى مُبدعون الإلكتروني عدداً من المُبادرات الإنسانيّة، والثقافيّة، وهي مبادرات صادرة من قبل مثقفون إلكترونيون وأصبحت هذه المبادرات واقعاً ملموساً أكثر من كونها أطروحة إلكترونيّة، وبالتالي فقد غطت جزءاً كبيراً من احتياجات قطاعات واسعة في المجتمع)، وواصل قائلاً:( يُمكن القول أنّ المثقفون الإلكترونيون أحياناً يكون تأثيرهم أكبر من مؤسسات مُناطٌ بها التأثير والتعبئة في المجتمع؛ فقبل وقت من الآن كان لأعضاء منبر سودانيز أونلاين تأثيراً كبيراً على الشارع السُوداني ذلك عندما قاموا بتعبئة جماهيرية واسعة جراء الاعتداء الأمني اللبناني على بعض أفراد الجالية السودانية هناك، وقد شملت تلك التعبئة شرائح واسعة من فئات المُجتمع، في حين عجزت الخارجية السودانية عن القيام بذلك، وهذا يوضح لنا أن للمثقفين الإلكترونيين في السودان تأثيراً فاعلاً على المُجتمع بقطاعاته المختلفة).
لكن لعاصم الحاج السّر، رأيٌ آخر حول تأثير المُثقّف الإلكتروني على المجتمع، إذ يقول:( للمثقف الإلكتروني تأثير، لكن ذلك التأثير نجده في الغالب تأثيراً لحظياً فقط، ولا يستمرُ لفتراتٍ طويلة؛ إنما يزول بزوال الحوار الإلكتروني في "البوست"؛ إذ يكتفي المُثقّف الإلكتروني بالتنظير وبإطلاق الكلمات و العبارات المثاليّة التي لا يجد صعوبة على الإطلاق في قولها ولكنه لا يستطيع أن يعمل ويُنفِّذ أجزاء صغيرة منها إلا ما ندَر في حالاتٍ قليلة؛ لذا فهوّ في الغالب غير مُؤثر بصورة كبيرة داخل المجتمع الواقعي، لكن ربما يمتد تأثيره داخل ذلك العالم الافتراضي بصورة كبيرة، وعدم التأثير ذلك نتج عن خاصيّة السمة التفاعلية في شخصية المثقف الإلكتروني السوداني التي نجدها في الغالب مجافيّةً للواقع الحياتي المُعاش) ويواصل الحاج قائلاً:( وكمثال لهذا الحديث يمكن النظر إلى عدد أعضاء المنابر الإلكترونيّة اليوم ستجد أنّ غالبيتهم سودانيّون مهاجرون في دولٍ بعيدة، بمعنى أنّهم بعيدون كُل البُعد عن ما يدور في السّاحة السّودانيّة، لذا فإنّهم يفترضون في أطروحاتهم الإلكترونيّة عن قضايا الوطن مثلاً افتراضات يصعُب أن تلامس حقيقة الذي يدور في السُودان) وأشار الحاج إلى أنّ طرح المثقف الإلكتروني السوداني على المنتديات الإلكترونيّة هو مجرّد ونسة ليس إلا قائلاً:( بعضاً من أولئك المثقفون الإلكترونيون السودانيون يشبعون نقصهم الحواري والفكري من من خلال الإنترنت، باعتباره نافذة مفتوحة للطرح، ثم يتبادلون النقاش بأسلوب غير جاد، دون أن تحسْ بفاعلية في الطرح، أما الآخر منهم فهم شريحة المهاجرين الذين يبحثون عن من مجتمع سوداني إلكتروني من أجل الونسة لا أكثر).
هذا فيما يرى بعض المهتمين أن ازدياد عدد المنتديات الإلكترونيّة السودانيّة من شأنه أن يؤدي إلى ضُعفٍ وتكرار في المادةِ المطرُوحة بها؛ كذلك يعمل على استهلاك المواضيع وإفقارها من قيمتها الحواريّة؛ ذلك من خلال المهاترات التي تدور بين الكثيرين داخل مواضيع تلك المنتديات، كما أنّ للبعض رأياً حول كثرة المنتديّات الإلكترونيّة قائلين أنّها قد تُصبح خصماً على المُثقفين في حال انجرافهم وراء الكم الهائل من السلبيات التي تدور في أروقتها، وهي بذلك ستفقد تأثيرها الذي وصفوه بأنّه – حتى الآن- لا يزال ضعيفاً جداً.

جلسة استماع لكورال مجموعة التنميّة

في منتدى التنميّة من الواقع الثقافي بالفاشر
جلسة استماع لكورال مجموعة التنميّة
الفاشر: عبد الرحمن آدم
ظلّ مركز مجموعة التنمية من الواقع الثقافي، يُداوم منذ العام 2002م في طرح عدداً من الفعاليات التي تأتي متنوِّعة من تراث وفولكلور ولايات دارفور، كما تناقش هموماً وقضايا ذات صلة بالشأن الثقافي عبر منتداه الأسبوعي الذي يُقام كل يوم أربعاء، حيث يطرح المركز في كل منتدى موضُوعاً جديداً، ويستضيف مختصّين لمناقشته، وقد عمل المنتدى خلال الفترة الماضية علي عكس فولكلور المنطقة الذي يتمثل في الغناء، والرقص الشعبي، والشعر الذي يُحكي عن إنسان دارفور وبيئته. كما يقدّم في المنتدى أوراق عمل عديدة في محاولة لوضع حلول للخروج من أزمة دارفور، والبعض الآخر منها يقدم لتطوير الأغنية ولتسخير التراث من أجل تحقيق السلام الاجتماعي.
عكف المركز خلال شهر رمضان على إقامة أمسيات ذات صلة بالآداب والفنون.
وقد كان من بين تلك الأمسيات جلسة خصصت للاستماع لكورال واوركسترا مجموعة التنمية، أقيمت في منتدى الأربعاء الماضي، في تمام الساعة العاشرة مساء بمقر مركز التنمية من الواقع بمدينة بالفاشر.
وقد حضرها مجموعة من الشعراء والمغنيين وطلاب وطالبات الجامعات، فضلا عن عضوية المركز والجمهور المشارك.
وقد عزفت الاوركسترا المكونة من أثنى عشر عازف، مقطوعة موسيقية وجدت تفاعلاً ً من قبل الحضور.
تحدّث لـ"تعارف ثقافي" محمّد أحمد عبد المولى، أحد مُغنيي الكُورال، قائلاً:( يتكون كورال المركز من مجموعة من المغنيين، ولدى الكورال إنتاجه الخاص من الأغنيات وتتميز أغنياتنا بمخاطبتها لقضايا وهموم مختلفة، بيد أن ما يُميز الكورال هو الأغاني التراثية، فضلاً عن أن لدينا عدد من الأعمال التي قام بكتابتها وتلحينها أعضاء بالكورال مثل أغنيّة قميره وهي من كلمات والحان معتز محمد موسى عازف الأورغ بالفرقة، كذلك أغنيّة "يا راقي" تأليف عبد الرحمن شرارة، و "أحزانى والآلام" التي جاءت من تأليف عايدة عبد القادر ومن تحلين فتحي عبد الرحمن.
التقينا داخل المركز بالملحنة والمغنية، إسراء ادم الحاج التي عرفنا منها أنها ناشطة بالمجموعة، فتحدّثت عن المركز قائلة: (ما يُحمد علي المركز هو عدم ممارسته للتمييز، فالتنافس هنا يتم علي أساس المقدرات لا النوع، وهذا لا ينفي أن هنالك شراكة تقوم علي الروح الجماعية للمجموعة، فالجندر حاضرا علي الدوام في هذا المركز، وبدوري هنالك مساحة لأبرهن فيها قدرتي على العطاء).
وأثناء تجوالنا في المركز قابلنا عبد الحميد عباس مدير مكتب التراث بمجموعة التنميّة، والذي قال بدوره لـ"تعارف":(منتدى الأربعاء يطرح قضايا مختلفة، ورمضان له خصوصيته في الفاشر، والمركز ظلّ يؤسس لعمل ثقافي بُغية التعريف بفولكلور المنطقة، والتوثيق له، ونحن نريد أن نُعرِّف السودانيين بثقافة دارفور، وهذا ما جعل المركز يُؤسس مكتب للتُراث، فالولاية بها ارث حضاري ضخم، وفي مكتب التراث نهتم باللهجات المحلية، والأمثال الشعبية، وأيضا كل ما يمكن أن يصنف ضمن الثقافة المادية، والمركز عمد علي الدوام علي عقد الجوديات للصلح).
وهنا يجب أن نشير إلي أن المركز لا يقل في مساهمته عن بقية المراكز الأخرى، بيد أنه يتميز بخصوصية المكان والتخصص

الجماعات الثقافية في الدمازين.. أحلام بالتغيير ووعود قيد الانتظار

لجماعات الثقافية في الدمازين
أحلام بالتغيير ووعود قيد الانتظار
تقرير: وفاء أحمد
ما أن تطأ أقدام الزائر/ة لمدينة الدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق، فهذا يعني أن هنالك حديثٌ ما سيُذكر عن مباني مركز مالك عقار الثقافي، فالسكان يرددونه دوما علي لسانهم؛ وخاصة إذ كان الحديث ذو صله بلفعاليات الثقافية أو بالمباني الفخمة، لن يجد الزائر/ة كثير عناء للوصول إليه، وربما قد يقابل الزائر بسخرية أو بدهشة حين يسأل عن مكانه، فالجميع بما فيهم الأطفال يعرفونه جيداً.
وما أن تدخل عبر بوابه المركز، ستجد أشجار المانجو والقشطة وأشجار الزينة حاضرة في استقبالك؛ أو لمشاهده الدهشة التي ترتسم علي وجهك، ستجد عدد من الصالات المهيئة، كتب علي إحداها (صالة لينا)، ستجدها منتصبة بعد أن أحتضن بداخلها مسرح المركز ونادي السينما، وفي الجانب الآخر من المركز ستقرأ لافتة كُتب عليها (مكتبه)، تأكد حينها أنها عامرة بالكتب، خاصة الأكاديمية منها، ستعرف أن هنالك مبالغاً باهظة صُرفت عليها، ولن يُراودك الشك بأن هنالك مجهود وعمل دؤوب بداخله.
أثناء التجوال داخل المركز، وقبل الخروج منه للتعرف على مدينة الدمازين، ستجد نفسك مطمئناً كزائر علي حال الثقافة في تلك المنطقة.. وربما تجزم بأن المناشط الثقافية والمبدعين في النيل الأزرق في أحسن حال، ستقول أن السكان والفرق الغنائية، والشعبية الراقصة، والمسرحيين، والشعراء، ...إلخ، يمتلكون كل الأدوات التي تمكنهم من ممارسة نشاطهم الثقافي، ستقول كل ذلك بشرط ألا تخرج من المركز!.
نحن هنا لا نجري أي مقارنات بين مركز مالك عقار، والمراكز أو الدور المتخيلة في رؤوس أفراد بعد أن عجزوا عن تحقيقها، نحن نتحدث عن انطباع يصاحب الفرد أثناء تجواله داخل مركز مالك عقار، ليصطدم باحتجاج وامتعاض بعيدا عن مقر المركز وبداخل الدمازين، نتحدث هنا عن بعض الجماعات والفرق المسرحية التي عجزت عن ممارسة نشاطها طالما أعجزتها بعض المؤسسات بلوائح تقيّيد نشاطها، وجدنا أغلبهم يفتقر لأبسط مقومات العمل ويشتكي من سوء الحال.
وبدورنا لم نشاهد في الدمازين أي مسرح مؤهل، ونستثني من الحديث مركز مالك عقار، ففي تجوالنا في المنطقة وجدنا مسرحاً واحداً داخل المُجمّع الثقافي؛ سميناه مسرح لأننا وجدنا السابقين في السودان يسمون أي مساحة مبنية من الطوب وترتفع ما يربو للمتر (تقل أو تزيد) يسمونها مسرح!، وما يدعوا للدهشة أن وزارة الثقافة والإعلام والسياحة، قد خُصص لها مكتب داخل المجمع الثقافي، وذلك لأن وزارة الثقافة ليس لديها أي مبني خاص بها، فقرر المجمع أن يستضيفهم إلي حين إنشاء أو يجاد مبني لهم، لم نعرف حينها من يشتكي لمن، أو مّن يشفق على من.
التقينا بوليد محمّد عوض رئيس فرقة الاصائل المسرحية، عرفنا منه أنه يمثل أو يُعبِر عن سبعة مجموعات أو فرق مسرحية بالدمازين، وذلك بعد أن شرعوا في تكوين إتحاد نقابي لهم كمسرحيين ودراميين، واتفقوا علي عقد جمعية عمومية بعد فراغهم من إعداد دستور ولوائح للمنبر النقابي الذي اتفقت عليه السبعة فرق.
يقول وليد لـ"تعارف": (قابلنا وزير الثقافة والإعلام والسياحة، وبدوره استقبلنا بصدرٍ رحب ولم يصدّنا، لكنه لم يقدم لنا سوى وعداً قطعه علينا بأن يدعمنا دعما معنويا، مبررا بأن هنالك عجز مالي بالولاية).
وليد تحدّث إلينا ممتعضا حين جاء الحديث عن الرسوم التي فرضتها عليهم الوزارة في حال التسجيل وهي "150" جنيه، والتي يقول عنها: (نعتبر هذه الرسوم معيقه لنا، وتحد من نشاطنا، وعلى الوزارة أن تراعي أنها حديثة العهد ونحن كفرق موجودين في الساحة قبل مجيئ وزارة الثقافة ومُسجلين بالمجمع الثقافي).
لم تقتصر مشاكلهم علي تلك الرسوم المفروضة عليهم، خاصة أننا علمنا منهم أن لديهم مستحقات قديمة لدي الإذاعة والتلفزيون لم يصرفوها، ولذلك قاطعو بدورهم.
عرفنا أن مطالبه مختلفة لكنها بسيطة وتتمثل المطالب في:(مسارح، ودعم مادي، والاعتراف بهم بأن يكون لهم منبر نقابي يمثلهم، وأن يمتلك وزير الثقافة حصانة من أي تغوّل سياسي) وتحقيقها يعني ضرور وجود عمل ثقافي.
مطالب مختلفة وهموم ظلت تُلاحق مبدعي النيل الأزرق، ومع مجيء وزير الثقافة وتشكيل حكومته، ظنّ البعض أن مجيئه خلاصاً لكل العوائق التي تواجه الجماعات الثقافية؛ وقد اتضح ذلك حينما كرّم المسرحيين واتحاد الكتّاب والشعراء... بالنيل الأزرق وزير الثقافة والإعلام والسياحة، وقالوا أنه "الرجل" المناسب في المكان المناسب، وأكد ممثل المبدعين في كلمته بأنهم احتفلوا بوزير الثقافة لأنه شخص مؤهل لهذا المنصب؛ ولإلمامه بثقافة المنطقة، ولديه اهتمامات بالآداب والفنون؛ مما يجعله مدركاً لهموم المبدعين والقضايا الثقافية، وحينها قدمت فرقة مسرحية عروضاً مشبعة برسائل موجهة للوزير، تُشير في مضمونها إلى أن المسارح غير مؤهلة وأن هنالك تهميش للمبدعين، غير أنّ الوزير قدم لهم بدوره وعداً بأنه سيجعل من الولاية قِبلة للأنظار، وأكد لهم أنّه يمتلك خططا وإستراتيجيات لتأهيل المسارح وتهيئة البيئة للمبدعين.
هي آمال ركنها مبدعي المنطقة علي وزير الثقافة، آملين أن تجد حضورا داخل أجندة اجتماعاته، أو أن تسع رحم خزانة وزارته ولادة خلاص المبدعين.
لم نكتفي بدورنا لما سمعناه من صديق النور بشير وزير الثقافة في التكريم الذي أقامه له المسرحيين واتحاد الكتّاب والشعراء بمسرح المجمع الثقافي، فقررنا أن نذهب إليه في مكتبه بالمُجمّع الثقافي، حاملين معنا أدواتنا الصحفية وهموم ومطالب المبدعين لنري ماذا هو فاعل.
وعن التهميش الذي ظل يُلاحق المبدعين، وأهمية حضورهم في العمل الثقافي داخل النيل الأزرق، يقول الوزير: (آن الأوان لقبيلة المبدعين في هذه الولاية بأنّ يشكلوا مع الأجهزة التشريعية والتنفيذية حضوراً في أروقة اتخاذ القرار للسمو بطموحاتهم لبلوغ المرام، فأهل الإبداع والفن والإنتاج الإعلامي ظلوا علي الرصيف ردحا من الزمان، وعلي الجهاز التنفيذي والسياسي التشريعي أن يضعوا في الحسبان قيمة الثقافة في المجتمع، وبدوري تقع علي عاتقي مهام يجب القيام بها، وخاصة أننا في الإقليم مطالبون بنشر التنوير والتبصير للمواطن البسيط في الريف، وأن يفهم بان هذه المرحلة مفصليه في تاريخ حياته، وفيها أن يتم التعايش السلمي بين شعوبنا وأمامنا التحدي بأن يدرك المواطن دوره في أن يوصل قضيته عبر المؤسسات الإعلامية المتاحة؛ خاصة أن لولاية النيل الأزرق خصوصية اتضحت في اتفاقية السلام، فالإقليم يتمتع بالعديد من ضروب الثقافة والفنون مما يجعله رائدا في إرساء دبلوماسية التعايش السلمي عبر الفنون والثقافة الشعبية).
ويضيف قائلا: ( نحن نريد مزيدا من الدعم المالي لتحريك كل الفعاليات علي المستوي المحلي والقومي وفي ذلك اعتراف بدور الفنون والثقافة، في تقويم مسار السياسة إلي براح أفضل، والآداب والفنون فهي مفاتيح حضارة الشعوب).
وعن المسارح التي أكد أغلب المسرحيين بأنها خربة ولا ترتقي بأن يصعد عليها أحدهم ليقدم عبرها رسالة من شأنها أن تغيِّر في المجتمع، يقول: (نحن بصدد إنتاج مسارح جديدة بالمنطقة، وعلي طراز نمط المسرح القومي، لنتمكن من تقديم الرسالة المسرحية الهادفة وفق رؤية علمية، ويقع علي عاتقنا مهمة إرسال الجماعات والاتيام الناشطة في مجال المسرح علهم يساهموا معنا في التوعية والإرشاد لكافة قضايا وهموم المجتمع).
عرفنا أن الفعاليات الثقافية (الأمسيات/ المهرجانات، ....الخ) التي كانت تقام في السابق في الولاية قد اختفت، وعن أسباب ذلك الاختفاء يقول: (غياب الرابطة والجمعيات المسجلة في المنطقة وراء غياب الأنشطة، وبالضرورة وجود المجموعات الناشطة في الساحة تجبر الجهات المسئولة لتلبية رغباتهم وقبول مشروعاتهم المدروسة).
أما عن المبلغ المالي الذي طُلب من الفرق المسرحية كرسوم للتسجيل يقول الوزير: (لا ينبغي أن يكون هذا المبلغ المالي الذي يسدد من أجل إنشاء الفرق وتسجيلها؛ مبررا للركوض، خاصة أنها رسوم زهيدة وضرورية حتى يشعر الشباب أنهم جزء من صناعة وتأسيس، يتكامل فيه الدور الوطني، بأن يتكفل الفرد بدور معين، والجهات الأخرى يكون دورها تكميلي فقط، ولذا فإن المكون المحلي لقيام مؤسسات التنمية ضرورة لامناص منها).
أطلعنَا الوزير بأنّ هنالك عوائق كثيرة قد واجهت المسرحيين والدراميين في تكوين إتحادهم، ذلك بعد فراغهم من إعداد دستور ولوائح للمنبر النقابي الذي اتفقوا عليه، ثُم سألناه عن ترتيبات تكوين الجميعات والهيئات النقابيّة في الوزارة فقال: (لا أحد يمنع قيام الجمعيات والاتحادات والهيئات النقابية شريطة أن يتم ذلك عبر القنوات والطُرق الصحيحة، ويكفي أن شباب الدراما وضعوا لوائح ودستور لكي ينظموا أعمالهم ويديروا أنشطتهم وفقا للرؤية العلمية والقانونية المُتعارف عليها عن طريق قيام الجمعية العمومية، وفتح باب العضوية، واستخراج اللائحة والدستور، وعرضها علي الجهات القانونية، واستخراج بطاقات العضوية، وإعداد الملفات الخاصة، والاهتمام وبموجبها أن تنتظم الاجتماعات الدورية، وحينها يكتسبوا الحصانة الشرعية، وسيجدون بالضرورة من يساندهم علي تحريك الدعامة المالية التي ستعينهم لبناء الدار وشراء الأصول اللازمة لتحريك أعمالهم، وكما تعلمون فهذه الوزارة جديدة بمسماها ـ وزارة الثقافة والإعلام والسياحة ـ وتحتاج إلي تأسيس للبنية التحتية، وبدورنا نمدّ أيدينا إلي الخيّرين والمؤسسات الداعمة ليساهموا معنا في تأسيس هذه الوزارة وإعادة ترميم المؤسسات اللاحقة والتابعة بها، في مجال الثقافة والإعلام والسياحة، ونأمل بأن تنطلق مسيرة الثقافة والفنون في هذه الولاية علي يد شبابها).
عرفنا لاحقا أنّ عدد من الفرق المسرحية من ضمنهم الأصائل قد اجتمعت بالوزير وناقشته عن عدم توفر الإمكانيات اللازمة لتمويل فعالياتها، وبدوره لم يُصدر وزير الثقافة أي مرسوم أو منشور بإعفاء أو إلغاء الرسوم المقررة، ولكنه وجّه مسجل الفرق المسرحية بإعفائها من تلك الرسوم، وذلك كمساهمة منه لتلك الفرق.
وبدوره عيين الوزير لجنة تسيرية لعقد جمعية عمومية، وذلك بعد عيد الفطر وتكفل الوزير بكافة المعينات اللازمة لقيامها.
هي خطوة أولى بادر بها الوزير لإيجاد الحلول للمشاكل التي ظلت تلاحق الجماعات الثقافيّة في النيل الأزرق، وكل ما أشار له الوزير في حديثه السابق يفهم منه رغبته في التغيير، لكن تبقى أوضاع الجماعات الثقافيّة التي شكت من تدهوّر أوضاعها والعراقيل التي توضع على طريقها، تبقى في انتظار وعود الوزير التي ظل يرددها، غير أنّ البعض أكّد مخاوفه بأنّ المسئول السوداني دائماً ما يطلق الوعود لكنه نادراً ما يوفي بها.

جلسة نقاش حول مُذكرات "استلانسلاوس بيساما"

نظمها إتحاد الكُتّاب السودانيِّين
جلسة نقاش حول مُذكرات "استلانسلاوس بيساما"
تعارف ثقافي: محمد عبد العظيم
"نحن نمر بلحظة تاريخيّة سنحتاج فيها إلي تأشيرة لدخول جزء حبيب من أرض الوطن بعد فترة وجيزة".
هذا ما ابتدر به السفير جمال محمد إبراهيم حديثه في الندوة التي أقامها إتحاد الكتاب السودانيين مساء الأربعاء الماضي، والتي جاءت بعنوان: (مذكرات إستلانسلاوس بيساما)، وأشار السفير لمذكرات إستلانسلاوس بيساما بأنها جاءت تحمل عنواناً صادماً: (العبد الذي صار وزيراً)، وقال:(على الرغم من صغر حجم الكتاب، إلا أنه لم يجد حضوراً داخل المكتبات، وأغلب الناس لم يطلعوا عليه)، وواصل قائلاً:(نحن اليوم نتحدَّث عن شخصية عظيمة، فهو أوّل وزير من إقليم جنوب السودان، ترك السياسة لثلاثين عاماً بعدما أُجبر على ترك وزارة النقل لأسباب لم ترد لا في مذكراته ولا في أي مكان آخر). وقام بتقديم هذه المذكرات مولانا أبيل ألير .
ستلانسلاوس بيساما من مواليد إقليم دارفور في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، عاش حياة مليئة بالمفاجآت إلي أن انتهى به المطاف في مدينة واو؛ حيث تلقى تعليمه في إحدى المدارس التبشيرية، وأصبح أحد القادة السياسيين، بعد تأسيسه مع آخرين أول حزب سياسي في جنوب السودان "حزب الجنوبيين الأحرار"، وكان حينها معلماً، وقد تم اختياره من ضمن ثلاثة عشر شخصاً في مؤتمر جوبا وذلك في العام 1948، وكان أحد أعضاء البرلمان السوداني في العام 1953، فضلاً عن أنّه كان قائدا عظيما.
بعدها تحدّث سليمان الأمين قائلاً (ترجمت جزءاً كبيراً من هذه المذكرات، وأثناء قراءتي لها تذكرت مقدمة كتاب الجذور). وفي قراءة لترجمته قال: (مات القيادي ستلانسلاوس بهدوءٍ تام في منزله بمدينة واو، في 28/12/1987، وهو أحد القيادات السياسيّة في الجنوب قبل وبعد الاستقلال الإداري، وصحيحٌ أنه تقاعد باكراً كقائد سياسي في العام 1960، لكنه ظل بعد ذلك ملهما لعدد كبير من القادة السياسيين، وقد ظل يداوم علي نشاطه في الكنيسة الكاثوليكية إلي أن وافته المنية في العام 1987م)، وواصل في سيرة استلانسلاوس قائلاً:( ولد إستلانسلاوس في منطقة "كافي كنجي" جنوب غرب دارفور وكان والده "فكي" وكان يعمل حداداً، وقد عاش إستلانسلاوس طفولته في قرية "يانرلي"، توفي والده في إحدى غارات "العرب" على المنطقة وقد كانت هناك معارك كثيرة بين الفور والعرب في ذلك الحين، وفي إحدى تلك الغارات خرج إستلانسلاوس من قريته على غير هدى وتحت الطلقات النارية إلي أن انتهى به المطاف على ظهر حمار وجده على قارعة الطريق أوصله إلي ضفة نهر لم يعرفه، وبينما هو يفكر في كيفية عبور ذلك النهر ناداه رجل باسمه "عبد الله" وقد كان أحد "العرب" قال له لقد عاقبني الله وأخذ كل أولادي ستكون بأمان سآخذك إلي السلطان علي دينار ليرسلك إلي أهلك، وبينما هو في معسكر "العرب" خرج عليه رجل من خلف شجرة يحمل سكيناً في يده وقد هدده بالقتل إذا صرخ، أخذه ذلك الرجل إلي بيته حيث كان يحتجز فتاتين وقد كانتا مقيدتين وكان ينوي بيعهم جميعاً، نجح إستلانسلاوس في الهرب وتم أخذه إلي "الزبطية" أو الشرطة حيث تم ابتعاثه إلي إحدى المدارس التبشيرية في مدينة واو)، ويواصل سليمان قائلا: (يتضح لنا أن الأب إستلانسلاوس لم يكن عبداً في أي مرحلة من مراحل حياته، والكلمة هنا في إطار المجاز ليس إلا وإنما تم خطفه)، كما أشار إلي أن الأب إستلانسلاوس كان يحمل اسم (عبد الله كجك أسامه هارون) في صغره.
بعدها طرحت في مداخلات الحضور عدداً من الأسئلة حول حياة "إستلانسلاوس" ومن أين حصل على هذا الاسم، ولماذا لم يبحث عن أسرته بعدما أكمل تعليمه، ولماذا لم يُحدِّد من هم هؤلاء "العرب"، وأضاف أحد المداخلين أن الأب إستلانسلاوس كان يزور إحدى أقربائه في مدينة الخرطوم ويُعتقد أنها كانت أخته.
وفي رد سليمان الأمين علي المداخلات قال: (أن هذا الاسم، كان لقس في الكنسية التي تبنته

واسطة خير قواسم ثقافية

واسطة خير
قواسم ثقافية
عباس الحاج الأمين
alhaj.abbas@yahoo.com
هناك كثير من القواسم الثقافية المشتركة، تجمع بين السودانيين يلتقون في بعض أطرها العامة ويختلفون في بعض تفاصيلها الداخلية الصغيرة، فإذا نظرنا إلى طقوس العبور أو الطقوس الادخالية التي يعبر بها الإنسان من مرحلة (حياتية) إلى أخرى (مثل طقس الموت) أو يدخل عبرها إلى مرحلة جديدة مثل دخوله القفص الذهبي، نلقى في هذه الطقوس تشابهاً كبيراً عند كل السودانيين، بل إن شئنا الدقة تثاقفاً مذهلاً، حيث تتمازج في الطقس الواحد كل (طعوم) الثقافات الإنسانية التي عاشت في أرض المليون ميل مربع أو مرت منها.
خذ مثلاً طقس الولادة، الذي يمر بثلاث مراحل: ما قبل، أي شهور الحمل وأثناء وبعيد الولادة أي لحظة الوضوع أو الانجاب، ثم بعد الولادة (منذ السماية وحتى خروج النفساء من بيت النفاس بعد الأربعين). في هذا الطقس نلمح ملامح الوحدة الوطنية التلقائية في أبهى صورها، ففي كل صقع من أصقاع السودان هناك عناية فائقة بالحامل، ثم اتفاق حول المعتقدات التي تدور حولها وصول الزوج، وحول الجنين لعلّ أشهرها أن الزوج لا يذبح ولا يؤذي حيواناً مادامت زوجه حبلى اعتقاداً منا نحن السودانيين أن ذلك سوف يترك اثراً ما على المولود ومن هنا يأتي تفسيرنا لبعض التشوهات التي يولد بها الأطفال، وعلى ذلك أيضاً قياس الوحم الذي يؤدي إلى الوحمة، وهذا الاعتقاد من القواسم الثقافية المشتركة، ولا أظن أن هناك مجموعة ثقافية سودانية بمنأى عن مثل هذه الاعتقادات/ التصورات المرتبطة بالحامل، ثم ما يلي ذلك من اعتقاد حول ظاهرة التواءم، ثم حول ظاهرة الطفل البدلي/ المُبدَّل الذي تبدله الجن، إذ تأخذ الطفل المعافى (حديث الولادة) وتضع مكانه الطفل المشوه أو المعاق handicapped ما يوحدنا كسودانيين كلنا (قاعدين نفتكر انه التيمان بتقلبوا بالليل كدايس)!!
إذا تركنا طقوس دورة الحياة البشرية كمستودع ضخم للقواسم الثقافية المشتركة بين السودانيين وكمختبر جماعي تام الصلاحية والجودة لقياس الوحدة الوطنية ونظرنا إلى الموسيقى – أعني الموسيقى الشعبية أو موسيقى السلالات Ethnomusic نجد أن السودانيين كل السودانيين متمسكون بأهداب السلَّم الخماسي، ويجري في دمائهم الايقاع الأفريقي، حتى غلاة العنصرية العروبية الذين (يغنون بلسان ويُصلّون بلسان) فإن فصيلة دمهم الموسيقية 5+African أي السلم الخماسي الأفريقي، بل حتى صلواتهم بالخماسي، ثم تعبيرهم عن حبهم لنبيهم "صلى الله عليه وسلم" على ايقاعات أفريقيا الصاخبة و(الفحلة). هذا باب للبحث واسع.
ما تجدر الإشارة إليه بخصوص الموسيقى كرابطة من روابط الوحدة الوطنية، المواد المحلية التي تصنع منها الالات الموسيقية الشعبية ثم انتشار بعض هذه الالات في كل أرجاء البلاد خذ مثلاً الربابة – الطمبور- الباسنكوب- أم كيكي- الخ نفس الآلة فقط الاختلاف الطفيف في الأسماء المحلية وفي بعض ما تصدر من موسيقى.
خلاصة القول أن القواسم الثقافية المشتركة بين السودانيين أكثر من أن تعد أو تحصى وهي موجودة أمام ناظري كل عدسات كاميرات الآلات الإعلامية لكنها لا تراها لسبب بسيط هو أن الذي يرى هو من يحمل الكاميرا وليست العدسة ومن يحملون الكاميرات في السودان الآن لا يريدون أن يروا سوى ما يفرق لا ما يوحد ثم لا يعترفون بما بين المهمشين، كل المهمشين من قواسم وهموم.

فلكلوري ومدونات

فلكلوري ومدونات
المأثورات والروايات الشفاهية
بقلم: د. مصطفى محمد أحمد الصاوي
عرض لكتاب أ. د سيد حريز (مناهج التراث والتاريخ الشفاهي عند العرب)
اضاءة:
عرف البروفيسور سيد حامد حريز بعلمه الغزير، وصمته، فهو يعمل دون ضجيج ولا ضوضاء، له اسهامات شتى في الدراسات الفلكلورية بعضها رأى النور والبعض الآخر لم ينشر، اضافة إلى الأوراق العملية التي قدمها في المؤتمرات.
نتناول في هذه المساحة كتابه (مناهج التراث والتاريخ الشفاهي عند العرب) والذي صدر في أكتوبر 1992م عن جامعة الإمارات العربية المتحدة مركز بحوث التاريخ والتراث الشعبي، تضمن الكتاب مقدمة وخاتمة بينهما 5 فصول.
اهتمت المقدمة بتوضيح كون أن هذه الدراسة تهتم أساسياً بالتاريخ الشفاهي وبشكل أخص للتراث الشعبي المتداول شفاهة ثم حددت المقصود بالتراث الشعبي وكذلك التاريخ، حيث أشار إلى أن عبارة التاريخ تستعمل بصورة أوسع وأشمل تستوعب التاريخ الحضاري بأبوابه المختلفة من تاريخ اجتماعي وسياسي ومحلي إلى تاريخ الأدب وتاريخ الديانات والفنون.. وميّز في المقدمة أيضاً بين المأثورات الشفاهية والروايات الشفاهية، قائلاً أن المأثورات الشفاهية تتمتع ببعد تاريخي وتركيب لغوي متميز وأحياناً تتبع طريقة في ترتيب جزئياتها الروائية. أما الروايات الشفاهية، فهي لا تتمتع بنفس البعد التاريخي أو البنية اللغوية التي تميز المأثورات الشفاهية.. موضحاً في سياق آخر خلفية تاريخية لمسار استخدام الروايات الشفاهية كمصدر للتاريخ في مختلف العصور والمجالات التي استفادت من الروايات الشفاهية ومنها دراسة تاريخ الديانات السماوية، وأشار إلى بعض الأنماط الفلكلورية المتداولة شفاهة مثل أساطير ومناقب الأولياء، ولعل أميز ما أبانه هو التطورات الحديثة التي دعمت موقف المأثورات، والروايات الشفاهية خلال القرن الحالي الفكاك من نير الاستعمال وحصول العديد من الدول ولا سيما دول العالم الثالث على الاستقلال السياسي، وسعت في ظل انعدام المراجع وأعتقد عدم مصداقية بعض المدونات للاستفادة من التراث الشافهي في كتابة التاريخ الأفريقي
أما الفصل الأول، فتناول الصلة بين التاريخ الشفاهي والتراث الشعبي وخلفي إلى تبيان المبادرات العربية الإسلامية التي شكلت جانباً مهماً في المعرفة بالنسبة للفولكلوريين، والانثرولولجيين، ثم حدد مقومات العمل الفلولكوري والمادة الفولكلوريةالشفهية والتداول والمقدرة على تمثيل روح الجماعة والشيوع. من جانب آخر تحدث عن مفهوم التاريخ والتسلسل التاريخي والنظرة الشمولية موضحاً دور الشفاهية في التاريخ والتراث الإسلامي من خلال قصص القرآن الحديث المغازي والسير، وحدد وظائف التاريخ في الوظائف الاجتماعية والحضارية والثقافية والسياسية، وعلى مستوى آخر وضح بعمق مفهوم التاريخ لدى التراثيين والمؤرخين المعاصرين، ومن هؤلاء الاخوة جريم الرواد الأوائل لعلم المأثورات الشعبية في أوربا، وأيضاً سيرج. ل. قوم والكسندر كراب، وريتشارد دروسون، ثم وقف على أهم الاسهامات في هذا الباب، وهي كتابات يان فانسينا ومن أهم أعماله: المأثورات الشفاهية. واتجه الفصل الثاني لتوضيح مبادرات العلماء العرب والمسلمين في مجال العمل الميداني ومنها الرحلة لطلب العلم والتدقيق في الراوي والرواية والتعويل على النصوص وطبيعتها وجمعها من بيئتها الطبيعية واجتهاداتهم في التدوين والتوثيق، موضحاً دور الأنساب ووظيفتها في دراسة الروايات الشفاهية التاريخية، فهي تساعد في عملية الترتيب والتسلسل الزمني، وهذه العملية تعتبر العمود الفقري للتاريخ. واختتم هذا الفصل بالإشارة إلى السياق الاجتماعي والاطار الحضاري وأثره في دولة التاريخ وصلته بالروايات الشفاهية، وأفرد الفصل الثالث لمناهج الجمع الميداني والتوثيق في مجال التراث الشعبي عبر الجمع الميداني والسياق الاجتماعي والحضاري، الصلة مع الأخباري وطريقة التعامل معه واجراء المقابلات والتعامل مع النصوص، وفي ذات السياق وضح دورها في مجال المأثورات الشفاهية التاريخية وذلك بتحديد مفهوم ووظيفة المأثورات الشفاهية التاريخية والمتن والاسناد، والاسناد وصولاً للتحقق من انتقال المادة التراثية وتداولها وتحقق نصوصها وتحليل محتواها وتوظيف مفاهيمها. وتضمن الفصل الرابع والخامس تطبيقات على حالة الروايات الشفاهية والتاريخ الحديث في الخليج والمأثورات الشفاهية والتاريخ في دولة الإمارات.
* تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يشكل دليلاً محكماً في دراسة المأثورات الشفاهية والروايات الشفاهية.
* يعيب الباحث على الاهتمام بتدوين التاريخ بمفهومه الواسع: التاريخ المحلي للمجتمعات والمسكوت عنه وتاريخ مالم يكتبه التاريخ والتواريخ غير الرسمية الملوك / الحكام/ الخ..
* يلفت المؤلف النظر إلى الأشعار الشعبية والقصص الشعبية والسير ومناقب وكرامات الأولياء والصالحين الخ..
* يوضح أيضاً الخطوات التي ينبغي للباحث ان يأخذها ويحرص على اتباعها من أجل الاستخدام الأمثل للمأثورات الشفاهية، ومن هذا تسجيل أكبر قدر من الروايات عن نفس الحادثة، الأخذ من الرواة الثقاة ومحاولة الحفاظ على الروايات المختلفة وعدم التدخل في نصوصها، اتخاذ موقف الحياد من جميع الروايات إلخ..
///////////
غُنا
بت الما بريدن نقرة الصُّفَّير
شوفت الكلب تزيدن زعزعة وطُفَّير
سدر الليد بلا قطن قشة أم آضفير
ديل القمحن بُريبة والكانفير
ما بجمع بلاهن مال أدورو وفير
مرعاهن عسين قش الخلا القُفير
ما سكنن كُمُر بلداً وخيم زفّير
زوال جاموس عليهن كشكشة ونفير
البن سهول ما ضاقن الحُقّير
من وطن الدَّمر سالمات من الجفّين
بريقن رفَّ خبيرن نوى بالسُفّير
قايد الريل برنجي وكنجي دار قًفير.
/////
ألغاز جديدة
1- شوف حبوبتي من شدتها، شالت جدي في فقرتها، دي شنو؟من ألغاز الجعليين.
2- اربعة في الطين، وأربعة واقفين، واربعة برطنو رطين، ديل شنو؟من الغاز المسيرية.
3- راكوبتي في النقع، بتهوزز ولا بتقع.. دي شنو؟
من الغاز المسبعات.
4- بعرت، ما بعرت. دي شنو؟
من الغاز الحسانية.
5- قفت ولا طارت واتشحت ولا بالت. دي شنو؟
من الغاز الحوازمة..
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
برمكيات
قال لي: الشاي مشروب البنيه ترابة العرجون.
مشروب السكره ضهيب موزون.
مشروب ام الحسن فرع الليمون
مشروب باجة الشلوفة ظهر والسنون صابون
مشروب فاطنة بت كاجوكه قمر فج النجوم
مشروب عائشة بت يعقوب نجماية السحور
مشروب فاطنة بت الناظر المارن جليدها القمر ميمون
وبشربك الفضل توير ناظر الحوازمة عموم
قال ليهم: البرامكة يوم يكون عرس أو طهور..؟
الظهره والصابون ما بحرس قانون..
قال لي: الكمكلي المجنون نطاله شبط من وراكبها مقلوم
لباسه تسعة جبالها أم ليون
منخرها حبل قديم لقاه في الدار مزقول
خلقه واحده دمور وسخان ما مغسول
كاسه ابو تمبرو
لو كان تجوا اخوانه عموم يجيب ليكو عيس كجوم
يقول ليكو أكلو أنا ماش بنوم.
+++++++++++++++++++++++++++++++
مثل وحكاية
اللرضة جربت الحجر
هكذا عند بعض سكان النيل الابيض، والأرضة معروفة وهي من الآفات التي نعاني منها متاعب كثيرة، ومحاولتها ان تجرب التأثير في الحجر دليل على قوة عزيمتها ومثابرتها على العمل رغم ما يعترضها من صعاب. وعلى ضعاف العزيمة الذين تصدهم عن مقاصدهم العقبات البسيطة ان يقتدوا بالارضة. واذا كانت الأرضة جربت الحجر فعلى بني آدم ان يجربوا تخطي العراقيل التي تقف دون تحقيق رغباتهم. وما من شك في أن الحوادث اقوى من الحجر، ولتكن عزيمة الانسان اقوى من عزيمة الأرضة، لأن اليأس حين يتمكن منه سيقفل عليه منافذ التقدم في الحياة وسيصور له حياته المستقبلية بصورة مبهمة غير محدودة المعالم وسيري نفسه عندئذ كالذي يبحر في محيط لا يدري أين ساحله، والحياة في جميع جوانبها انخفاض وارتفاع وحلاوة ومرارة ولذة وألم.
ومن القصص التي تساق استشهادا على قوة العزيمة ما حدث لابن حجر العسقلاني فقد جاء من الشام يطلب العلم في الازهر، وقضى فيه بضع سنوات لم يعلم خلالها شيئا يجعله من طبقة العلماء؛ فيئس ورجع الى اهله وبينما هو راجع اذ مر على بئر فمال اليها ليطفئ ظمأه ولم يكد يلقي نظرة على فتحة البئر حتى رأي اثر حبل الدلو على الصخر، وانتقل فجأة من هذه الصورة المادية الى صورة معنوية وظل يقارن بين تكرار الحبل الذي اثر في حجارة البئر وبين محاولته في حفظ قواعد العلوم، وانتهى من هذه المقارنة الى ان كثرة المحاولة تجدي مهما طال الزمن، فقفل راجعاً الى الازهر واصبح فيما بعد عالماً متقناً لكثير من العلوم الاسلامية.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
حلول وشروح الألغاز السابقة
1- للغز (كلفت كلفت، يمشي ويتلفت) من ألغاز البطاحين، وحله هو المغزل (المترار) الذي يغزل به القطن او الصوف.. و (كلفت) تعبير عن شكلة بعد أن تستدير حوله الخيوط فيزداد حجمه قليلا قليلاً.. ويمشي ويتلفت كناية عن سرعة دورانه.
2- أما اللغز (الحي كبس الميت، والميت قام يعيط) فهو من ألغاز الحمر وحله هو (وليد المرحاكة) أو ما يعرف في اللغة العربية بحجر الرحى، والرحي هو (الحجر)، والميت هو الرحى (المرحاكة). ومعروف أن حجر المرحاكة عندما يطحن به الحب يصدر صوتا ناتجا عن الاحتكاك بين الحجرين رمز اليه بـ (يعيط).
3- أما اللغز (قطعة من شدر، وقطعة من حمرـ شبيك لبيك، أنا بعرفوليك؟.. فهو الغاز الرباطاب وحله هو العنقريب.. والقطع التي من الشجر هي ارجله والمروق والوسادات، والقطعة من الحمر حبال السعف، وشبيك لبيك كناية عن تشابك حباله ونسجه..
4- أما اللغز (مشيها كرب ووقفتها كرب، شوفو يا عرب مطلية بلا جرب) فهو من الغاز المسيرية وحله هو (الحرباية). والصوت (كرب) دلالة على خشونة جلدها وملمسها، ومطلية بلا جرب اشارة الى تعدد ألوانها وتغيرها حسب البيئة كما هو معروف عنها.
5- أما اللغز (اربعة صبابات واربعة خبابات، وسلطنتين وسوط عنج). فهو من الغاز الحوازمة وحله هو البقرة. والاربعة الصبابات هي الحلمات والاربعة الخبابات هي الأرجل والسلطنتين هما القرنان والسلطنية اساسا تعني الرمح. اما سوط العنج فهو ذيل البقرة، ويصبح الحل الأخير هو البقرة.
++++++++++++++
العاب صبية
قيرا... قيرا
يجلس احد اللاعبين وقد يتم اختياره عن طريق القرعة اذا لم يتطوع احد.. وتعصب عيناه بخرقة، يضع هذا اللاعب رأس ابهامه الأيمن ملاصقاً لرأس ابهامه الايسر ورأس سبباته اليمنى ملاصقا لرأس سبباته اليسرى مكونا من ذلك دائرة, ويصبح احد اللاعبين:
قيرا.. قيرا
الما بياكل التميرة
بالعقرب الكبيره
ويضع سبابته داخل الدائرة بحيث لا تلامس اصابع اللاعب المعصب العينين فيتبعه اللاعبون الآخرون، فيضعون اصابعهم داخل الدائرة وهم يرددون:
قيرا.. قيرا
الما بياكل التميره
بالعقرب الكبيره
وفجأة يطبق اللاعب المعصوب العينين يديه على اصابع اللاعبين الذين يسحبون اصابعهم بسرعة فاذا فشل في قبض اصبع من الاصابع يعاد اللعب مرة اخرى، أما اذا قبض اصبع واحد منهم فان العصابة تفك من عيني اللاعب الأول.
ويجلسون هذا المقبوض الاخير فيبرك على يديه ورجليه وتعصب عيناه، ثم يأتي اكبر اللاعبين سنا فيضع راحتي يديه على ظهر اللاعب البارك ويتبعه اللاعبون كلهم فيضعون ايديهم على ظهر يدي اللاعب الكبير. ويأتي اصغر اللاعبين سنا ويضع يده اليسرى وينصب الأخرى في شكل مسمار أو في شكل حلقة ثم يصيح هذا اللاعب الأخير سائلاً اللاعب البارك: (حلقة ولا مسمار)؟ فاذا قال حلقة وكانت الاجابة الصحيحة مسمار يرفع اللاعبون ايديهم ويهوون على ظهره وهم يصيحون بصوت واحد (مسمار زيدو نار). واذا قال مسمار وكانت الاجابة الصحيحة حلقة يرفع اللاعبون ايديهم ويهوون على ظهره وهم يصيحون بصوت واحد: (حلقة زيدو درقه).
ويستمر اللعب على هذا المنوال حتى يعرف اللاعب البارك الاجابة الصحيحة. وهنا يجلس ويجعل من اصابع يديه دائرة مثل التي وصفناها في البداية.. ويضع اللاعبون اصابعهم في داخل هذه الدائرة وهم يرددون:
قيرا.. قيرا..
الما بياكل التميره
بالعقرب الكبيره
وهكذا يستمر اللعب حتى تمله المجموعة فيتفرقون الى مساكنهم وغداً يعودون..
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
قصة شعبية
حجوتان
1- حجوة الكركوع):
كان أول في مرتين، واحدى جايبالا ولد كبير، والتاني ولد سغير, الكبير مرق سحار والصغير مرق منصوري.
بعدين النسوان مشن يحشن، مسكن الولد الكبير اخوه الصغير، قالن لو: امسك اخوك ده. بعدين قام اكلو وسوالو ادياتو في الدكة. بعدين جن قالن لو: وينو اخوك؟ قال لهن: مي اكيلتو، هسع اجيبلكن كشكشيتو.
السنوان: يا ولد اخوك وين؟ مي اكليتو هسع اجيبلكن كشكشيتو.
النسوان: قالن لو: آي. مشى جابلهن الاديات بي كشكوش، بعدين امو مشت ضبحتو فوق الجدول.. وبعدين هو اتقلب قرع. بعدين جات مره قطعت منو ومشت بعدين دايري تشدو ملاح. قام بكورك وبقول الكركوع وأنا ماني قرع، الكركوع وأنا ماني قرع. تاني كمان جات مرا شالت من القرع داك ومشت تحلب فيو، بعدين القرع نط ودفق اللبن وبقى يسوي (الكركوع وانا ماني قرع) (الكركوع وأنا ماني قرع) بعدين جا راجل قالن لو: الكركوع ده بقى يجينا (كركوع شنو؟!) مشى الراجل رقد تحت الكادفي (راكوبة او مظلة او فرندة) بعدين انقلب فوقو بي فليل. والراجل بقى يشيط ويبول بعدين بقى داكو يسوي الكركوع وأنا ماني قرع، الكركوع وأنا ماني قرع....
2- جوة النمرود:
كان يقول للناس اعبدوني أنا ربكم الأعلى. دا الملك النمرود ابن كنعان، يقول لي الناس اعبدوني انا ربكم الاعلى, قالو قام الملك ده.
النبي ابراهيم ملك الكعبة المشرفة قال: هو خابرلو رب بلاي؟ قال: اقوم امشي احاربو. وكت قال امشي أحاربو حارب النبي ابراهيم.. وقصتو البقول يعني كتف النبي ابراهيم وجضعوا في النار. دا الهناي دا جضع الملك ابراهيم، ارجتو النار مويه, وقع فيها بعدين جالو قالو: يا ربي سلط عليهو اضعف احياك, بعتلو البعوضة من تحت البحر, اكلت السيوف واكلت الخلق دي كلها. قبيل قال: اذا كان الأرض قامت أطاها بالجزم وأكان السما وقع ارفعوا بالسنج، أرفع السما بالسنج قال!! وبعدين قالو: ياربي ابعت البعوضة ليهو: بعتلو البعوضة أكلت ديوشو خلاس، خلتو مقنب، ودخلتوا في راسو, بقى الراس بكورك، قال للحكما تعالوا سووا راس زي راسي دا. وكت سوو راس زي راسو دا ا لراس نضم. براهو نضم.
قالهن: تعالوا شيلوا الراس دا بالكماشة, دا قعطو ليو وجابو داك ركبوهو في بكانو, ابا ينضم. الراجل مات.. (انتهت).
(هاتان الحجوتان مأخذوتان من التراث الشعبي لقبيلة المناصير الذي جمعه الراحل الاستاذ الطيب محمد الطيب، ضمن سلسلة دراسات في التراث الشعبي السوداني التي تصدر عن معهد الدراسات الافريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم

سنوات ما قبل الكتابة

لؤي قور
عامان على الرحيل
عليها اللعنة!! تلك اللحظات الطويلة التي سبقت ليلة رحيلك في ذلك العام، عليها اللعنة وكل الأوزار.. عالقة بالذاكرة تلك اللحظات القميئة التي عجزنا فيها أن نرد إليك بعضاً مما كنت تصنع بداخلنا من حياة، لكنني لم أعد أتذكرك بذلك الوجع الذي يعقب الفاجعة، بل أتذكرك على تلك الهيئة الأليفة التي كنت أراك فيها، والتي اعتادتها عيناي، يقولون أننا لا نحسن الكتابة عن الفاجعة ما لم تمسح على عميق جراحها الأيام، ويخفف من غلوائها مرور الأشهر والسنوات... تصير حينها قابلة للتأمل، وممكنة الإجترار الإسترجاع على مستوى التفاصيل الصغيرة التي يغيبها الحزن في كل حين، ويبرزها تقادم العهود على ما قر بدواخلنا من ذهول يختزل الذكريات في ذلك الرحيل المر والعجول.. حينها فقط نستطيع الكتابة، والتذكر، والحديث.. وأن نرى ما يقبع خلف سحابات حزننا من نجوم. قلت لك في ذكرى رحيلك الأولى أننا لعنا عجزنا عن أن نقدم لك شيئاً سوى حفرة، وأن ندفن ابتسامتك، وعيونك الصغيرة، ويدك النحيلة التي تتجه لأنفك كثيراً أثناء الحديث.. وقلت لك أنه آلمني أن ترحل في صمت، وبلا ضجيج.. هوى نيزك!! فما الذي يدعو سكان الأرض لكل هذا الهدوء؟ وما الذي يجعلهم يتعاملون مع حدث رحيلك بهذا البرود الثقيل؟ يتمتمون بكلمات خافتة، أسمع أولها وتغيب عني في تلك الأمسية كل أواخر الكلمات. وقلت لك أن من تحبها قد أوشكت على أن تلحق بك – من فرط حزنها - في بعيدك الموحش.. والذي تغطيه الغيوم، لكني في ذكرى رحيلك الثانية أتذكرك بدرجة أكبر من الوضوح.. كنت أنت في مراهقتك المشاكسة، وكنت أنا في طفولتي التي اعتمدت المراقبة والانصات سبيلاً للحياة، أتذكرك وأنا مستلقٍ في المنزل، أستمع لخطاب كنت تلقيه بمناسبة الذكرى الأولى لافتتاح ذلك المعهد المختلط في الضاحية، والذي ووجه بآلاف الإنتقادات.. قالوا أنه نافذة صريحة للرذيلة مغلفة بدعوى التعليم، وقالوا بأن محاربة هذا المعهد هو واجب ديني وضرب من ضروب الإيمان وتغيير المنكر باليد، ودعوا لمقاطعته في الضاحية. ولما كان القائمون على أمر ذلك المعهد على درجة ما من الإصرار فقد مضوا فيما هم فيه، وأعلنوا عن افتتاح المعهد.. واستعداده لقبول الطلاب من الجنسين. كان الأمر أكثر سهولة حينما يتعلق الأمر بالطلاب ويصل درجة الاستحالة حينما يتعلق بالطالبات في الضاحية، لكنه كان أكثر سهولة فيما جاور الضاحية من أماكن، إذ توافد الطلاب من الجنسين على المعهد، وسرعان ما ابتدأت الدراسة بعد أن تحول الأمر من مجرد حلم عند القائمين عليه، ومثاراً للجدل بين سكان الضاحية إلي واقع يحظى فيه الطلاب بالدراسة.. كانت الدراسة مسائية تنتهي في السادسة، وتعقبها فترة مذاكرة إلزامية حتى التاسعة، وهو ما أثار حفيظتهم من جديد. وهكذا فقد تعرض المعهد لهجمات شرسة في بدايات إنشائه، كانوا يحطمون الكراسي ولمبات الإضاءة، وكثيراً ما حصبوا المبنى بالحجارة في ساعات المذاكرة، لكن القائمين عليه وجدوا طريقة للتعامل مع كل هذه الصعاب. صار من أوجب الواجبات بعد إنتهاء الدراسة أن يتم حفظ الأثاثات ولمبات الإضاءة في مكان مغلق، وأن يكون الطلاب على أهبة الاستعداد للإمساك بمن يلقي الحجارة على مبنى المعهد، أو يقطع التيار الكهربي عنه حين يكون الظلام.. وعلى كل حال فقد شق المعهد طريقه بين هذا وذاك، وكان لجمعيته الأدبية شأن وصيت جعل حتى المعارضين من سكان الضاحية يأتون للإستمتاع بها بين حين وآخر.. يأتون على استحياء بعد أن خفتت أصواتهم بفعل النتيجة الجيدة التي أحرزها طلاب المعهد قياساً بما عداهم من طلاب... أتذكرك وأنت تلقي خطاباً في تلك الأمسية
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لا يحب صعود الجبال
يعيش أبد الدهر بين الحفر
كنت تلوذ بالشابي في خطابك، وكنت أنا مستلقياً في المنزل.. أكتفي بسماع صوتك دون أن أراك... كنت نجماً في ذلك الحين... وفي كل حين. لكن ما لم تلحظه في تلك الأمسية هو الفقرة التي سبقت خطابك في الاحتفال، كان صوتاً لأنثى تغني، وكان صوتها ندياً أشعل وجدان طفولتي بمجهول المشاعر، وصنع بداخلي شوقاً خاصاً لمعرفة من تكون.. كنت أود أن أراها عن قرب، وأن أستعين بوجهها على إكمال متعتي الغريبة بما كنت أسمع منها من كلمات، وفيما بعد عرفت من تكون.. عرفت بأنها تلك الأنثى التي أحفظ ملامحها عن ظهر يقين، تسكن الضاحية غير بعيد من مكان سكنانا، وأراها مرتين في كل يوم تقريباً في طريقها من وإلي المعهد.. كانت تغني في تلك الأمسية لحناً للكاشف أظن أنه رحلة في طيارة....
يا حبيبي قلبي حاب
رحلة بين طيات السحاب
وحدنا
أنت وأنا
لا أدري لماذا خيل إليّ بأنك لم تلقِ لغنائها بالاً.. لعلي قدرت أنك كنت تراجع خطابك، وتستعد لإلقائه.. وكنت تنتظر أن تنهي أغنيتها لتقرأه، لكنها كانت أبرز ما علق بطفولتي في تلك الأمسية حين أتذكرك في استرخاء.
وخاطر آخر كان يقودني إلي التفكير في أنها ربما كانت تتوجه إليك بكلمات أغنيتها تلك.. لا أعرف السبب، ربما لأنني رأيتك بصحبتها غير مرة في مشوار العودة من المعهد مساءاً. وربما خيّل إليّ إنها كانت تنظر إليك بطريقة توحي بالكثير، ويمكن من خلالها التنبوء نسيباً بما كانت تحمله لك مما يمكن أن يحمله الوجدان، وأقدر أنك كنت في غفلة عن كل ذلك، ولم تكن تلقي بالاً سوى لما كنت منكب عليه من دروس، كان شغفك بالدراسة غريباً.. وكنت أنا متعجباً من قدرتك المخيفة على التفوق في كل عام، ربما لأنك كنت تلقي بذلك على عبء المقارنة.. لكنني في تلك الأمسية كنت موقناً من أنني أستطيع أن أواصل الاستماع إليها إلي الأبد....
طوينا الجو طي الحجاب
وبقو لينا الأنجم قراب
من هنا
جن جمبنا
أنت وأنا
كانت تغني كأنها كتبت الكلمات وأنشأت اللحن، وهاهي بعد سنوات من التحاقك بالجيش الشعبي، وبعد أن ذاع الخبر في الضاحية، وقرر الكثيرون أنك قد وقفت على الجانب الخطأ من المعركة، وأنك انضممت طوعاً لمن يخالفونك العرق والدين.. هاهي تقرر بأنها لا تعرف عن أمور السياسة الكثير، لكنها تعرف أنك لم ولن تكون يوماً على الجانب الخطأ من المعركة، وأنك الأقرب للصواب حينما يتعلق الأمر بالخيارات!! كان إيمانها بك مطلقا،ً وكان ما تحمله لك من مشاعر يتخذ صفة الصلابة حينما يتعلق الأمر بالخواص الفيزيائية للوجدان. كانت معك في غيابك الأول حينما كانت البلاد في أشد حالات الاستقطاب، ولم يكن ثمة بديل لإحقاق الحق سوى الكفاح المسلح، ولا طريقاً للتغيير سوى بذل الدماء.. كانت معك في ذلك الحين، وكانت معك عقب عودتك الظافرة بعد سنوات.. لكنك لم تلحظ من كل ذلك شيئا،ً حتى حينما اخترت غيرها لتشاركك الحياة والأمنيات، كانت تحتفظ لك بداخلها ما يكفي حاجتك.. وما يفيض. لكنه قدرها على كل حال، وهو أبرز ما تذكرته في ذكرى رحيلك الثانية بعد أن مسحت السنوات بعضاً ما غطى على جميل تذكرك من ضبابات الهموم، وهأنذا أتخيلكما معاً.. ماذا لو ابتسمت لها في تلك الأمسية البعيدة من أمسيات أغسطس؟ ماذا لو لاحظتها؟ أقول بأنك كنت ستمتلئ حينها بكل ما لم يحدث بينكما من تواصل، وبأنها ستفيض بداخلك لو كنت معها حين غنت
سبحنا في العلا كالشهاب
وبنشوف العالم رهاب
تحتنا ويهتف لنا
يا بختنا
أنت وأنا
لك في بعيدك الموحش كل ما كانت تدخره لك تلك الجميلة من أغاني.. ومن سلوان، ولك في ذكرى رحيلك الثانية كل ما حملت سنوات انتظارها لك من ذكريات
لؤي قور

العمل الميداني بين النظرية والتجربة

العمل الميداني بين النظرية والتجربة د. علي الضو
(جمع تراث اللغات القومية السودانية المهددة بالإنقراض)، كان هذا عنوان ما تناولته الورشة التي أقامها مجلس تطوير وترقية اللغات القومية، بقاعة الشارقة في يوليو الماضي، وقُدمت في الورشة أوراق عمل عن اللغات القومية المهددة بالانقراض، وأكّدت الورشة أنّ الصراع الثقافي اللغوي الذي يفضي إلى تهديد اللغات يعني بالضرورة تهديداً للجنس البشري؛ خاصة أن هنالك لغات انقرضت وأخرى في طريقها للإنقراض، وأشارت الورشة إلي أن بالسودان حوالي (100) لغة، من حوالي (120) لغة، تطالها دائرة التهديد بالإنقراض.
نشرنا في الملفات السابقة، الورقة التي قدمها بروفيسور/ الأمين أبو منقة محمد بعنوان: (أهم ملامح الخريطة اللغوية السودانية)، وورقة: (خصوصية جمع تراث اللغات القومية)، التي قدمها د. الصادق محمد سليمان، وفي الملف السابق نشرنا ورقة: (اللغات المهددة بالإنقراض في السودان) والتي قدمها الدكتور/ كمال محمد جاه الله، وبين يدي القارئ الآن ورقة عن (العمل الميداني بين النظرية والتجربة) قدمها، د. علي الضو. كما نستعرض أسفل الصفحة التوصيات التي خرجت بها الورشة.
مقدمة:
على الرغم من توافر بعض المعارف الأكاديمية حول العمل الميداني، والتي تمثل نتاج تجارب قام بها العلماء في مجال الدراسات الإنسانية، والتي تعين كثيراً في إنجاح مهمة الجامع للمادة من الحقل، إلا أن التجربة العملية دائماً لها نتائجها الذاتية. فكثير من العموميات قد يتعثر تطبيقها على الواقع المعين، وكثير من الأدوات والوسائل التي يعتقد أنها على درجة عالية من الفعالية قد تفشل جزئياً أو كلياً في أداء المهام، أو تكون عائقاً حقيقياً في انجاز العمل.
سنحاول في هذه الورقة المختصرة أولاً أن نسلط الضوء على أساليب العمل الميداني المتفق عليها، ثم نحاول ثانياً إيضاح مدى النجاحات والاخفاقات التي حدثت لفريق العمل الميداني وهو يجمع المادة الموسيقية من شتى بقاع السودان. أين كان مكمن الضعف؟ ما هي مقترحاتنا لمعالجة أوجه القصور؟ وكيف يمكن سد النقص في وسائل وأساليب الجمع الميداني، حتى نتمكن لاحقاً من جمع المادة بطريقة هي الأكثر اتقاناً، بحيث نتمكن من الحصول على نتائج أكثر جودة.
لذا نرجو أن تكون محصلة المناقشات والحوارات حول ما يرد في هذه الورقة، اضافة حقيقية إلى معارفنا حول العمل الميداني، ما يساعد على تجويد الأداء والحصول على نتائج جيدة.
دون الدخول في تفاصيل المادة الأكاديمية حول العمل الميداني والتي ولا شك أن العاملين في حقل الدراسات الإنسانية على دراية بها، ودون اغفال ذلك كلية، ولمصلحة الحوار أوجز الأمر في الآتي:
1. لابد من تحديد المكان واختيار الزمان المناسب الذي نقوم فيه بالعمل الميداني. أي لابد من تحديد المنطقة عموماً، ثم تحديد الموقع أو المواقع على وجه الدقة والتي سوف يتم العمل فيها. ففي رحلتنا إلى جنوب النيل الأزرق رأينا أن يتم العمل في شهر نوفمبر، وذلك لأنه وفي هذا الوقت من كل عام تقام احتفالات الحصاد، ما يتيح لنا فرصة جمع المادة المستهدفة وهي تؤدي في سياقها الطبيعي. كما رأينا العمل مع ثلاث مجموعات رئيسة تقطن المنطقة، ومن ثم حددنا مسبقاً مواقع بعينها تكون لنا بمثابة مراكز ننطلق منها إلى كل مجموعة حسب مقتضيات الحال في الحقل، فكانت مدينة باو في الانقسنا، وقرية أوفد في البرتا، وقرية شانشا في القمز.
2. لابد من تحديد المادة المراد جمعها، ومن ثم تحديد الوقت الكافي لجمعها. إن اعتبارات الوقت، وحسب التجربة، تقتضي أخذ المفاجآت والظروف غير المنظورة ـ وهي كثيرة في السودان ـ في الحسبان، ففي رحلتنا إلى جنوب كردفان أضعنا ثُلث الوقت المقرر للعمل الميداني في إصلاح العربة من الأعطاب التي حدثت لها وهي تقطع المسافة بين الخرطوم وكردفان في طريق غير معبد.
3. قبل أن يشد الجامع للمادة الرحال إلى الحقل لابد له من الاطلاع على أية مادة مكتوبة عن المنطقة، أو الموضوع المراد جمعه، لأن المعلومات المتوافرة في هذا تساعد على تحديد خطط السفر وتسهيل المهمة.
4. كذلك على الجامع للمادة الاتصال بالجامعين الذين سبقوه للمنطقة لتنفيذ مهام مشابهة. فهذا قد يوفر معلومات عن الرواة الجيدين وعن أسماء المسؤولين وقادة المجتمع المعني، ومن ثم يُمكّن من الاتصال بهؤلاء القادة ويساعد على توفير معلومات عن المنطقة وترتيب الإقامة وما إلى ذلك.
5. لابد للجامع من محاولة الاستماع ومشاهدة أية تسجيلات عن المنطقة. فحفظ بعض أنماط الذخيرة اللغوية أو الغنائية للمنطقة، أو تسجيل نماذج منها ومحاولة بثها عبر جهاز التسجيل المثبت بالعربة، يخلق صلات جيدة مع السكان المحليين.
6. لابد من إعداد المؤن وأدوات الجمع التي تيسر المهمة وتجعلها سلسة. توفير أدوات التسجيل الصوتي والمرئي، وأدوات الكتابة والقياس، مع الالمام الجيد بتشغيل تلك الأدوات وتوفر الحد الأدنى من معرفة صيانتها، وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيلها.
إن كانت هذه بعض عموميات النصائح الأكاديمية لانجاح العمل الميداني، فما هي التجارب التي مر بها فريق العمل الميداني لجمع الموسيقى التقليدية في رحلات العمل التي قام بها؟ ما هي النجاحات وما هي الاخفاقات؟ ما هي السلبيات وما هي الايجابيات؟
إن طبيعة العمل بمشروع الموسيقى التقليدية ليس بغرض اجراء دراسات مكثفة حول موسيقى مجموعة بعينها، ولكن الأمر كان مسحاً بغرض جمع أكبر قدر ممكن من عناصر الثقافة الموسيقية لمختلف الشعوب السودانية، ومحاولة حفظها وتوثيقها ونشرها، وتشجيع الموسيقيين المحليين على أدائها والمحافظة عليها، والإحساس بقيمتها الثقافية والاجتماعية والفنية التي تؤديها لتلك المجتمعات، ما يساعد على أن تظل جذوة الثقافات المحلية متقدة وحية.
إيفاء لهذا الغرض، تم التخطيط في المرحلة الأولى للمشروع للقيام بعدة رحلات ميدانية، لمناطق عدة من السودان، شملت حتى نهايات العام 1990م كل من:
* منطقة شرق السودان: (بورتسودان، سواكن وكسلا) للعمل وسط مجموعات الهدندوة، الحلنقة، البني عامر، المواليد، السواكنية، ثم الرشايدة.
* منطقة نهر النيل: (شندي، المتمة، كبوشية) للعمل وسط مجموعة الجعليين
* منطقة جبال النوبة: (الدلنج، كادقلي، ميري، النتل، الصبي، الدبيبات) للعمل وسط بعض مجموعات النوبة والحوازما.
 منطقة جنوب النيل الأزرق: (الدمازين، أوفد، باو، شانشا، قنيص) للعمل وسط مجموعات البرتا، الجبلاويين، القُمز، ثم الانقسنا.
لقد كانت أولى اهتمامات المشروع هي توفير وسائل الجمع المناسبة، وتوفير وسيلة التنقل الفاعلة؛ حتى يتسنى لنا ملاحقة العروض الأدائية، وتغطية أكبر رقعة جغرافية في المكان والزمان المحددين. لذلك وفرنا جهاز تسجيل صوتي ماركة (ناقرا)، وهو جهاز يعتبر في ذلك الزمان من أفضل أجهزة التسجيل الصوتي، خاصة في مجال التسجيلات المنغمة. ولكن ومن واقع التجربة اتضح لنا أن استخدام ميكرفونات استريو بدون مازج للصوت يؤدي إلى تسجيل كل مستويات الذبذبات الصوتية في آن واحد، مما يجعل مهمة دراسة أو انتاج موسيقى بغرض الاستماع للتذوق الفني يحتاج لاحقاً إلى جهد كبير، وبالتالي قد يكلف المشروع، إن أراد أن يمضي في هذا الطريق، مبالغ طائلة. كذلك إن وضع الميكرفونات في وسط المؤدين ومد أسلاكها بينهم يربك الكثير منهم ويحدث الفرع لبعضهم، ظناً من بعضهم أنها تحمل تيارات كهربية.
لهذا نحن نعتقد أن استخدام ميكرفونات دون أسلاك هو الأنسب في مثل هذه الحالات. فاستخدام ميكرفونات كهذه والتي يمكن أن يحملها فريق الجمع وهو يشارك الآخرين في العرض، يقلل من تأثير وجودهم على المؤديين، ما يسهم في جعل السياق طبيعياً ومنساباً.
لقد تم كذلك استخدام مسجلات من ماركات أخرى أقل حجماً لتسجيل المقابلات مع الرواة، وذلك لتقليل الطاقة المستهلكة ولسهولة حمل مثل هذه الأجهزة والتنقل بها. بيد أننا وفي إحدى الرحلات تعرض أحد أجهزة التسجيل لعطب صعب علينا اصلاحه، رغم أن فريق العمل يضم اختصاصي تسجيلات صوتية وله درجة عالية من الالمام بصيانة المسجلات. هذا يعني أننا لم نقم بفحص كل أدوات التسجيل بشكل جيد قبل الرحيل إلى الحقل. لهذا ننصح بأن يكون مع فريق العمل بالحقل أكثر من جهاز، فالتحوط لمثل هذه الظروف واجب.
على الرغم من أن العروض الأدائية مرتبطة شرطياً بحركة الجسم وأحياناً ممارسة الطقوس، ما يجعل التسجيل المرئي ضرورة ودونه يكون التوثيق مبتوراً، إلا أن هنالك عدة عيوب في استخدام كاميرات الفيديو نجملها في الآتي:
* استخدام الفيديو قد يؤثر سلباً على المؤديين لعلمهم بأن كل حركاتهم وسكناتهم تسجل. لهذا فإن البعض منهم يحطاط ويتحفظ وفي بعض الحالات قد يمتنع عن المشاركة، خاصة عند استخدام الاضاءة ليلاً.
* إن الكاميرا، وفي ذات اللحظة، لاتسجل إلا جانباً من الحدث ولاتسجل كل الحدث. وإن كانت هنالك امكانية للتقليل من هذا العيب باستخدام عدة كاميرات.
* الكاميرا أيضاً تسجل ما يراه القابض على أداة التصوير وحسب رؤيته، بمعنى أن حدثاً معيناً قد يتم تسجيله بصورة مختلفة من قبل شخصين مختلفين (فلم عادة جدع النار لدى البرتا: الطيب محمد الطيب وآخرون). إن كان هذا العيب يمكن التحكم فيه إذا كانت هنالك معلومات متوفرة مسبقاً عن العروض وأعد سيناريو للتصوير.
* إن كثيراً من العروض، وخاصة تلك التي ترتبط بعادات الناس ومعتقداتهم، تتم ليلاً. فيتعذر استخدام أجهزة التصوير المتوفرة حالياً إلا باستخدام الإضاءة. والإضاءة تؤدي إلى النتائج السلبية التالية:
1. قد تقلب السياق الطبيعي إلى سياق غير طبيعي، على نحو ما ذكرنا سابقاً.
2. تحصر الإضاءة التصوير في دائرة الضوء فقط.
3. في بعض العروض الطقوسية قد يمنع استخدام الإضاءة (الزار وطقوس التنشئة) ما يتعذر معه التسجيل المرئي على الرغم من أهمية ذلك.
وفي رأيي أن مثل هذه المعضلة يمكن حلها باستخدام كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء مثلاً، أو تعمل بعدسات بالغة الحساسية، خاصة في حالة التصوير الليلي.
هنالك أداة أخرى للتوثيق لها أهميتها ألا وهي الكاميرا الفوتغرافية، خاصة في حالة توثيق الرواة وأدوات الثقافة المادية، حيث يفيد مثل هذا التصوير عند النشر المكتوب. إن الكاميرا الفوتغرافية توفر أيضاً الشرائح، وهي وسلية فاعلة، وإن كان توفر الحاسوب في السنوات الأخيرة قلل من فعالية مثل هذه الوسائط.
إن وسيلة التنقل الفاعلة تحت تصرف فريق الجمع الميداني، وتوفير الوقود، لمن أهم أسباب نجاح العمل الميداني في مجالات الدراسات الإنسانية. فهي ترغب في اللحظات المناسبة لحضور ممارسة ما لم تكن مبرمجة قبلاً. كما تساعد على الاتصال بالرواة والاخباريين أينما كانوا. كذلك تعطي العمل الحقلي احترامه من قبل المواطنين المحليين وتظهر جدية القائمين عليه.
إن خلق صلات جيدة بالرواة وجمهور المواطنين من أهم الأسباب التي تساعد على انجاح المهمة بالحقل. وقد قمنا بعدة اجراءات في هذا السياق يمكن أن نجملها في الآتي:
أولاً: في جل المناطق التي عملنا بها اتصلنا مباشرة بالمواطنين، إما عن طريق مشايخهم أو عن طريق أحد أفراد المجموعة، كما نزلنا ضيوفاً عليهم. وهذا خلق قدراً كبيراً من الثقة فينا وتفهماً تاماً للمهمة التي حضرنا من أجلها.
ثانياً: تحرك بعضنا وسط المواطنين خارج ساعات العمل والتسجيل واحتك بهم وتعرف عليهم، ما ساعد كثيراً على التعرف بأفراد الفريق والالمام بالمهام التي يقومون بها.
ثالثاً: حرصنا ونحن في الحقل على تقديم أية مساعدة ممكنة للمواطنين في حدود الإمكانات المتوفرة للفريق، وعند الطلب (ولم يكن الطلب كبيراً). فقدمنا الترحيل إلى الشفخانة، الأدوية البسيطة، السكر، حجارة البطاريات المستعملة.. الخ.
رابعاً: حرصنا على بث بعض التسجيلات الصوتية الخاصة بالمنطقة عبر جهاز التلعيب المثبت بالعربة، وهذا شجع كثيراً من الموسيقيين على الأداء الأفضل.
خامساً: حرصنا على تشجيع الموسيقيين والرواة مادياً، وكذلك حرصنا بذات القدر على إيضاح أن المبالغ التي ندفعها لهم، وهي لم تكن كبيرة، هي مساهمة منا في تكاليف المناسبة لشراء ذبيحة أو حاجيات أخرى تسهم في اكرام الضيوف، بمن فيهم أعضاء الفريق، وليست أجراً أو مقابلاً مادياً نظير ما يقومون به من أداء. وقد قصدنا بذلك أن نبين لهم بأن هذا العمل الميداني الذي نقوم به فيه فائدة لمجتمعاتهم. فالصرف المالي على الرواة والأخباريين المبالغ فيه يؤدي إلى اتلاف الحقل على الآخرين فيتعذر بذلك على الطلاب الدارسين لمثل هذه الجوانب والذين لايملكون امكانات مالية كبيرة، العمل في هذه المناطق مستقبلاً.
أوضحنا لهم أنه ومن خلال نشر هذه المادة التي نقوم بجمعها يتمكن الآخرون من التعرف على ثقافاتهم. فقد عرضنا على قاطني جنوب النيل الأزرق كتاب الموسيقى التقليدية بمجتمع البرتا، فسروا لذلك كثيراً وقدروا أهمية العمل الذي نقوم به. وعرضنا حديثاً على قاطني مدينة الدلنج تسجيلات الكجور التي مر عليها عشرون عاماً، فكان ذلك حدثاً مدهشاً تناقله كل المواطنين بالدهشة والثناء.
خاتمة:
إن كل عمل ميداني هو تجربة قائمة بذاتها، لهذا فإن تراكم التجارب من خلال الممارسة المصقولة بالمعرفة المنهجية تؤدي إلى أفضل النتائج المرجوة.
إن أهمية هذه الورقة تكمن في ضرورة تبادل التجارب الميدانية في مجال الدراسات الإنسانية في السودان، والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى استخلاص النتائج والموجهات العامة التي تعين على توسيع مداركنا حول أساليب مناهج العمل الميداني على وجه العموم.
من تعارف ثقافي:
نشير إلي ورشة: (جمع تراث اللغات القومية) والتي أقيمت بقاعة الشارقة ـ جامعة الخرطوم، قد انعقدت في الفترة من 14- 15 يوليو 2010م، وعلى مدى يومين عقدت الورشة سبع جلسات، وخرجت الورشة في جلستها الختامية بعدد من التوصيات التي تتمثل في:
1. توعية المجموعات المتحدثة باللغات القومية بأهمية اللغات والتراث والمحافظة على هذه اللغات وتطويرها.
2. تحديد أولويات مشاريع جمع تراث اللغات بناء على خريطة اللغات التي توضح وضع اللغات في السودان.
3. وضع خطة خمسيه أو عشرية تعطي الأولوية فيها للغات المهددة بالإنقراض وجمع وتوثيق تراثها.
4. جمع تراث اللغات القومية وتشجيع المهتمين من أبناء هذه المناطق لجمع تراثهم وتقديم المساعدة لهم وتدريبهم على طرق الجمع وطرق التوثيق والتدوين.
5. التنسيق مع الجامعات الولائية من خلال الأقسام المتخصصة في التراث والقيام بمشاريع مشتركة لجمع تراث اللغات في كل ولاية.
6. تدريب منسوبي المراكز والمؤسسات العاملة في مجال التراث واللغات في ورش عمل ودورات تدريبية في مجال جمع التراث.
7. استيعاب الكيانات الطوعية المشاركة في أنشطة المجلس في الدورات التدريبية.
8. إقامة شراكة مع الكيانات الطوعية السودانية للمساهمة في برامج المجلس لجمع تراث اللغات القومية.
9. الاهتمام الاستثنائي باللغات السودانية الدارفورية وتعزيز دراستها وبحثها وتعميق تأثيرها في اتجاه الوحدة والسلام وحسن إدارة التنوع
10. عمل موقع الكتروني يعني بقضايا اللغات القومية وتراثها.
11. عقد ورشة سنوية تناقش أعمال المتعاونين مع المجلس من أبناء المناطق المتحدثين بلغاتهم الأصلية.
12. إصدار مرشد سوداني لتوثيق التجارب الميدانية في مجال جمع التراث.
13. تصنيف المواد الموجودة في أرشيفات المراكز المتخصصة في التراث وفهرستها.
14. أن تشمل فرق العمل الميداني متحدث باللغة الأصلية من المنطقة التي يتم بها الجمع وأن يراعي عند تكوين هذه الفرق وجود العنصر النسائي
قصّة قصيرة
النازحون يصعدون إلى السماء
عادل أمين
فتح النافذة وأطل منها كعادته كل صباح ونظر إلى معسكر النازحين الذي يقع في الجوار.. هذا المعسكر يضم كل متضررين الحرب في جنوب السودان.. كان المعسكر المشيد بالخرق، أشبه بالبثور تقبح وجه الحي الراقي الذي تقيم فيه شقيقته مع زوجها الثرى، خط سكة حديد وطريق إسفلت يفصلان بين الجنة والنار، شرد بعينيه بعيداً حيث كانت نقطتان تتحركان لرجل يحمل خرقة بين يديه تحوي جسد صغير وامرأة تسير مترنحه "اللعنة.. هذه الجثة الرابعة والعشرون، منذ أن هاجم رجال الأمن المركزي المعسكر بحثاً عن قتلة عثمان صهر الشيخ عبد الباسط تاجر العملة الكبير وذو النفوذ الجبار".
* *
أن لمقتل عثمان قصة غريبة يكتنفها الغموض، في يوم عاصف، قبيل الغروب سمع أهل الحي دوي طلق ناري حملته الرياح التي كانت تعبث بالتراب في الضاحية النائية.. في صباح اليوم التالي عثرت الشرطة على جثة ملقاه جوار المعسكر وبجانبها حقيبة مليئة بالعملات الأجنبية، كان قادماً من السعودية.. انتشرت الإشاعات أن ذاك ، إن الذين قلتوه هم قطاع الطرق، قامت الشرطة بمهاجمة المعسكر بحتاً على القتلة وإقتادت نفر غير قليل من المعسكر إلى المحفر .. أخبرته ميري وهي إمرأة من النازحين ، تحضر إلى المنزل تغسل الملابس .. أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع وقد أدى ذلك إلى موت العديد من الأطفال .
ظلت هذه التداعيات تدور في خاطره وعيناه تتابع الرجل والمرأة في طريقهم إلى المقابر … كانت المرأة تولول والرجل يحمل الطفل المسجي كالخرقة، تنهد طارق وردد في نفسه في آسى "هؤلاء المساكين الموت وحده هو الذي يساويهم مع سكان الضاحية … كانوا يدفنون موتاهم في مقابرها" .
* * *
ظل يتابع الجنازة بعينين دامعتين، كانت جنازة مهيبة، موكب مكون من شخصين فقط أب وأم وطفل فارق الحياة في لحظة من لحظات الزمن الآسن … ارتدى ملابسه على عجل ونزل الدرج وانطلق صوب الموكب الحزين الذي كان قد شارف على المقابر .. قام بمساعدة الأسرة الصغيرة في دفن فقيدها، لم يكن ذلك يثير الدهشة … لأن كل سكان المعسكر يعرفون طارق عثمان المحامي الثائر الذي كان يتصدى دائماً لحملات الشرطة الجائرة ويدافع عنهم في المحاكم بدون أجر … كما أن شقيقته وزوجها الفاضل لهم أيدي سابغة على أطفال المعسكر.
سار مع الأسرة بعد انتهاء مراسم الدفن ودخل إلى المعسكر وطفق يتجول بين أكواخ النازحين والنساء والتواكل، أخذ يتحرى منهم عن من قتل المذكور عثمان؟! أنكر كل من له قدرة على القتل ارتباطه بأي جريمة من هذا النوع .. كان يعرف أنهم يصدقونه القول .. كان شد ما يخيره "أن القاتل لم يأخذ معه النقود إذا … ماذا كانت دوافعه"؟!
* * *
جلس طارق وصديقه الرائد محجوب في الكافتيريا على مقعدين يطلان على النيل تبدو عليهم الحيرة الشديدة .. يتداولان أمره هذه الجريمة الغامضة … ونهضا واتفقا أخيراً أن يسعى كل منهما إلى مزيد من الجهد ومضت الأيام كاد اليأس يتسرب في نفس طارق، حتى حدثت مفاجئة أخبرته ميري المذعورة التي تغسل الملابس في بيوت الأثرياء بالقصة العجيبة أن رجل التقطها من الطريق وأخذها إلى البيت هناك حذرها الرجل بأن لا تدخل إلى داخل المنزل فقط تجلس في الفناء تغسل الملابس، بعد خروج الرجل سمعت نشيج مكتوم ونواح ينبعث من داخل المنزل … نهضت وهرعت إلى داخل ضاربة بكلام الرجل عرض الحائط .. سمعت طرق عنيف على باب إحدى الغرف … فتحت الباب امرأة نصف مجنونة تصيح وتولول بأن زوجها أطلق على صهره النار وقتله!. قتل عبد الباسط شقيقها القادم من السعودية أثناء لعبهم للقمار وقد لعبت الخمر برأسيهما … حبسها الرجل حتى لا تبلغ الشرطة".
* * *
جلسا في مكانهما المعهود في الكفتيريا أخبر طارق صديقة محجوب بالقصة وامسكا بطرف الخيط وتلي ذلك أن توفرت معلومة أخرى … أخبر شرطي الدورية الذي يجلس عند الطريق، أنه في ذلك اليوم الأغبر كان يقف على جانب الطريق، رأي سيارة مرسيدس زرقاء تنطلق بسرعة لا تلائم ذلك الجو العاصف كان يبدو على سائقها المخمور الرعب الشديد وبحدثه الأمني سجل رقمها … وبذلك اكتملت خيوط القصة إذا قتل الرجل الثري صهره كعادة المترفين عندما يختلفون ودفع ثمن ذلك أهالي المعسكر التعساء .
* * *
بدأت المرحلة الصعبة والمؤلمة فقد فشلت تماماً جهود طارق وصديقه محجوب في إدانة الرجل.. أستغل عبد الباسط نفوذه الجبار في الدولة حتى لا يلتف حبل المشنقة حول عنقه … نقلت زوجته إلى المصحة بعد أختل عقلها تماماً وأضحت لا تصلح كشاهدة إثبات، مات شرطي الدورية في ظروف غامضة، تناول طعام مسموم أعطاه له أحد سائقي السيارات الذين يمرون بالمكان .. أقيل محجوب وفصل من سلك الشرطة … تعرض طارق لضرب مبرح من رجال مجهولين في ليلة ممطرة وأصيب بكسر مضاعف، جعله يمشي على عكازتين .
* * *
أوقف الصديقان سيارتهم عن كتب ينظران إلى سكان المعسكر يجوسون كالديدان بين الخرق والخيام المتناثرة، التفت إلى صديقه الساهم .
- أنا خسرت ساقي، وأنت فقدت وظيفتك، ولا زال المعسكر يعاني من الشرطة والغاز المسيل للدموع .
- نعم إنه كذلك .. كنا أشبه بمن يريد أن يوقف قطار مندفع بالوقوف أمامه ..
التمعت فكرة في ذهن طارق فالتفت وحدق في عيني صديقه الدامعتين في إصرار .
- وجدت الحل لسكان المعسكر المساكين!!.
نظر إلى القمر البازغ في كبد السماء والذي كان يجلو بأشعته الفضية المكان، حدق محجوب في دهشة إلى صديقه الذي هب واقفاً على عكازتيه .
- هيا معي !!
- ماذا تريد أن تفعل ؟؟!!.
ردد طارق في نبره تشفى .
- سأصعد بهم إلى السماء!! إلى مدينة الله التي لا يظلم فيها أحد !!…..
* * *
التقرير الذي أرسله قائد الطائرة البوينج الأمريكية التي كانت تمر عبر أفريقيا في ذلك المساء غريب حقاً.. أزعج الإدارة الأمريكية وفسر ظاهره اختفاء سكان المعسكر الذي كانت تعوي فيه الرياح "أكد الطيار أنه أثناء مروره ليلاً بالطائرة فوق السودان شاهد أقوام ترحل صوب السماء، يتقدمهم محامي أعرج وضابط شرطة في مقتبل العمر، يستشعران المرارة وتبدو عليهما الكآبة الشديدة" .
شمبات الاراضي 1989م
من مجموعة قصصية بعنوان قطار الشمال الأخير، للقاص عادل أمين

عدد خاص من مجلة باكر

الوحدة والانفصال
عدد خاص من مجلة باكر
صدر عن مركز سالمة لدراسات ومصادر المرأة العدد السابع من مجلة باكر التي يُصدرها برنامج الشباب بالمركز، وجاء العدد مخصصاً لتناول قضيّة الوحدة والانفصال؛ عبر مواضيع عديدة باللغتين العربية والإنجليزية، جاء من بينها تقريراً أعدّه منتصر أحمد النور، بعنوان تجارُب الانفصال، وآخر بعنوان المشوّرة الشعبيّة.. شيطان التفاصيل، أعدته زحل الطيب، إضافة إلى استطلاع عن حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان 2011م أجراه شان مايكل – بدر الدين صلاح، كما شملت المجلة عدداً من المقالات:(عشان بلدنا.. ضد مغامرات المغشوشين/ سماح عبد اللطيف)، و(سيناريوهات الوحدة والانفصال/ خالد عبد العزيز) و(جنوب السودان شروط الوحدة وضرورات الانفصال/بيتر موسس أشويل)، وموضوعاً بعنوان (حركة تمكين المرأة- سويب)، وتحت زاوية بعنوان زيارة للمكتبة أعدّ عبد الرحمن عبودي عرضاً وتلخيصاً لكتاب د. الواثق كمير الذي جاء بعنوان (جون قرنق.. رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانيّة) وفي الصفحة الأخيرة للمجلة جاءت نافذة قصاصة التي كتبها البراق النذير بعنوان: (من لم يمت بالسيفِ مات بغيره .. تقرير المصير: حتماً آتٍ).

رئيس مجموعة التنمية من الواقع الثقافي لـ(تعارف)

ـ المورثات الثقافية تستطيع فض اشتباكات الواقع، وإبراز خصوصية إنسان دارفور
ـ نحن لا نعادي ولا نهادن السلطة.. ووراء كل أزمة سياسية أزمة ثقافية
ـ بما أننا جزء أصيل من درافور فنحن أكثر دراية بقضاياها الثقافية
ـ حاولنا توظيف الأمثال الشعبية في تحقيق السلام الاجتماعي

حوار: عبد الرحمن آدم
اعتاد القارئ علي سماع أسماء مراكز وجماعات ثقافية بعينها، وعلي شخوص محددين اعتادوا بدورهم الظهور المتواصل في وسائل الاتصال الجماهيري، ربما قد لا يعلم البعض أن ما يشاهد أو يسمع أو يقرأ في تلك الوسائل لا يعبر في كثير من الأحيان إلا عن الخرطوم ومراكزهم، وهذا ما دفعنا اليوم للجلوس مع عبد الرحمن محمد أحمد عنقال، رئيس مجموعة التنمية من الواقع الثقافي، للتعرف علي المشهد الثقافي في دارفور، وفي الفاشر علي وجه الخصوص، وخاصة أن المجموعة تعتبر من كبرى الجماعات الثقافية بدارفور، وظلت تُقدِّم فعاليات ونشاطات ثقافية من شأنها التعريف بالمورثات الشعبية وقضايا المنطقة وتعزيز السلام الاجتماعي، وتعمل على إبراز الوجه الآخر لدارفور وإبراز الخصوصية الثقافية لسكان الإقليم، ولكن ذلك لا ينفي أن النقد والاتهامات قد لاحقت المجموعة، جلسنا مع عنقال في داره بالفاشر، حى الجيل، فكان هذا الحوار:
لماذا اخترتم "التنمية من الواقع الثقافي" اسما للمجموعة، وعرفنا بالبدايات والأهداف؟
انطلقنا فى العام 1999 كمجموعة ثقافية تضمم في تكوينها عدداً من المُثقفين والمبدعين من مختلف ضروب الفنون والإبداع.
وجاء اسم المجموعة من التنمية، من داخل الواقع الثقافي؛ ليعبر عما ندركه، وهو الواقع المتنوّع والمتعدد اثنيا وثقافيا، نحن نتحدث عن تاريخ عمره 600عام، أي منذ العام 1450م، حيث كانت حينها دارفور دولة قوية، استطاعت أن توحد أبناءها في كتلة واحدة، كما استطاعت أن تحتوى الآخر، فالوفود كانت تأتي من مصر وليبيا وتونس، ومازالت مستقره إلى يومنا هذا، فهنالك أقباط، وتوجد أسر ذات أصول ليبية، مثل أسرة أبو صفِيته أو كما يعرفوا (بالفِيزان)، وهم يقطنون/ يمتلكون حى بالفاشر.
كما استطاعت دارفور كسلطنة ان تمد وشائج التواصل مع الدول الأخرى، مثل الإمبراطورية التركية، ومع الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا، ونحن في (مجموعة التنمية من الواقع الثقافي) لم ننطلق من مكان أجوف؛ بل من ضمير جمعي، وفي ذات الوقت واعٍ بالذات وبالآخر، نحن نرنو إلى استغلال هذا الماضي الزاهر بغية استيعابه في حاضرنا، ونقصد بالتنمية، التغيير في حياة الناس، مستندين علي محاميلنا الثقافية الراسخة وما تحمله من تراث، حيث الجوديه، والنفير، وأغاني الحكامات، والأمثال الشعبية، فالمورثات الثقافية لديها القدرة علي في فض اشتباكات الواقع، وإبراز خصوصية إنسان دارفور.
حينما نتحدث عن دارفور، نحن نشير إلي منطقة مأزومة بالصراع، فـ إلي أي مدى نجحتم في فض الاشتباك ؟
استطاعت مجموعة التنمية من الواقع الثقافي أن تبرز دور منظمات المجتمع المدني، وذلك إبان اندلاع أزمة دارفور. وبدورنا استقبلنا أول فوج من النازحين الذين قدموا من منطقة (طويلة وكورما)، أي بعد اندلاع الصراع مباشرة في العام 2003م، وقدمنا لهم العون، حيث استطاعت المجموعة أن تمتص الحساسية الاجتماعية المفرطة ،الناتجة عن الصراع، ولم نتوقف عند هذا الحد بل أنتجنا حينها شريطين كاسيت، جاء الأول حاملا أسم (سلام دارفور) وهو عبارة عن أغنيات على إيقاع (الفرنقبية)، والكاسيت الثاني أحتوي علي أمثال شعبية، تم من خلالها إبراز تاريخ دارفور، وتجربتها الإنسانية في حل المشاكل. حاولنا عبر الكاسيت الثاني الذي جاء بصوت الفنان فتحي الماحي، توظيف الأمثال الشعبية، وخاصة ذات الصلة بالصلح والعفو بُغية تحقيق السلام الاجتماعي، وأنتجنا في (تنمية من الواقع الثقافي)، أكثر من عشرة ألف شريط كاسيت، وتم توزعيها على كافة معسكرات دارفور، وعلي سكان الإقليم، ومناطق مختلفة من بقاع السودان، كما قمنا بتوزيعها علي المفاوضين والوسطاء الدوليين، في مفاوضات (سرت) والتي كانت في العام 2006م، وشركاء السلام أشادوا بها، وبعضهم قام بتسجيلها لتوزع في دول مختلفة من العالم.
أنت تتحدث عن مجموعة لديها مشكلة في التمويل، فمن أين جاءت الأموال، لإنتاج عشرة ألف شريط؟
الحصول علي التمويل هو أمر صعب ومعقد، وأحيانا مستحيل، ولكننا حصلنا عليه من دعم قدمته لنا منظمة (DAI) الأميركية، وهذه المنظمة دعمت أغلب منظمات المجتمع المدني العاملة في دارفور.
بما أنكم معنيين بالتنمية، عبر الإلمام بالواقع الثقافي ومن ثم تسخيره في قضايا دارفور، فكيف تنظرون للأزمة الناشبة فى دارفور؟
تتفق قراءتنا للصراع مع ما قاله دكتور حيدر إبراهيم بأن وراء كل أزمة سياسية أزمة ثقافية، والأزمة الناشبة بين المكونات الإثنية استمرت لانعدام ثقافة الحوار، وهذا الأخير هو المدخل السليم الذي من شأنه تقليل العنف، وانعدام الحوار والمواعين الثقافية هو السبب لما نحن فيه الآن، فلابد من أن تتسع مواعين الحوار الشفافة لكل السودانيين وحتما سنحصل في نهاية الأمر على ما نفقده.
التنمية من الواقع الثقافي، متهمة بأنها تضم النخبة المستنيرة لمجتمع الفاشر، وبالتالي لا مكان للآخرين؟
هذا اتهام غير صحيح، ويخلو من الموضوعية، لأننا منفتحين على كل الناس، والعضوية تمنح لكل من هو/ هي قادر/ة على العطاء، ودارفور لا توجد فيها ما يمكن تسميته بالصفوة أو النخبة، لتحتكر هكذا نشاطات، النخبة في دارفور غير موجودة إلا في مخيلة من يقولون ذلك، ولا يوجد أي شخص من الفاشر يستطيع الإدعاء بأن جده الثالث أو الرابع قد ولد هنا، فكل أصولنا ترجع للأرياف غير أن دارنا مفتوح للجميع.
طالما أنتم ملمين بطبيعة الصراع في دارفور، فهذا يعني إدراككم ممارسة السلطات فيها، وهي بالضرورة تعلم الكثير عن نشاطكم، فهل بينكم شراكة أو مهادنة أو عداء، وفي ذات السياق هل لديكم شراكات مع الجماعات الثقافية الأخرى؟
نحن لا نعادي ولا نهادن، لقد نجحنا في أداء دورنا بعيداً عن الحكومة، بمعني أننا مستقلين ماديا، ولم نتلق منها أي معونات، لقد أجبرنا الكل على احترامنا، وأحيانا يحضرون فعالياتنا لا غير.
لكن لدينا علاقات بالمجموعات الثقافية الأخرى، وعلي سبيل المثال لدينا تعاون مع جماعة المشِيِش الثقافية بنيالا، واتصالات مع مركز مالك عقار بالنيل الأزرق.
يلاحظ أن (المركز) ظل مسيطرا علي الخطاب الرسمي ومراكز إنتاج الخطاب، وفي الخرطوم حيث أغلب مؤسساته تسيطر علي الخطاب كما يتحدث بلسان الآخرين، هل حاولتم أن تُعرفوا عن أنفسكم وقضاياكم دون وجود وسطاء؟
الأمر معقد جدا، لكننا نسعى إلى تغيير المفاهيم السائدة، ونحن لا نلقي كامل اللوم علي المركز وحده، لان إنسان الهامش أيضا كسول تجاه حقوقه، ونحن نسعى بدورنا لتغيير النظرة الانطباعية عن إنسان الهامش، وذلك عبر إبراز الجوانب المشرقة، وفي ذلك تفوقنا علي عدد من المراكز، ويمكن الاستدلال علي ذلك، هو تحالف المبدعين من أجل سلام دارفور، والذي جاء بمشاركة عدد من المثقفين والمبدعين، مثل: (عمر إحساس، عالم عباس، عبد الله آدم خاطر)، وبمشاركة بعض من منظمات المجتمع المدني، وكان الهدف من التحالف هو التأكيد علي دور المبدعين، وإسهامهم فى إحلال السلام فى ربوع الإقليم، وما يجب تأكيده أننا حينما نتحدث عن الإقليم وقضاياه الثقافية، فنحن أكثر دراية به، لا لشيء سوي أننا جزء أصيل مما نتحدث عنه.
وجماعة التنمية من الواقع الثقافي شرعت فى إنتاج فيلمين الأول عن (الجودية) والثاني عن (الحاكورة)، والحاكورة واحدة من أسباب النزاع الحالي، أما الحاكورة تاريخا، فهي تحفيز من السلاطين للمبرزين فى المجتمع، حيث لم تكن هنالك أوسمة أو نياشين، بل تُمنح قطعة من الأرض بغرض أن تزرع، وهنالك نموذج حاكورة (ودعماري)، وهو شيخ خريج الأزهر منحه السلطان على دينار حاكورة فى منطقة طويلة غرب الفاشر، تمت زراعتها تمباك، ومن هنا جاءت التسمية للتمباك، بتمباك ودعماري تعبيرا عن الجودة.
وبعدان نفرغ من إنتاج الفلمين، سنعمل علي توزيعها على معسكرات النازحين؛ لأن الرسالة المضمنة داخل الأفلام تهدف لترسيخ السلام الاجتماعي، وسنهديها أيضا إلى فضائيات بعينها، وفي العيد سنبدأ فى تسجيل الأغنيات الخاصة لعدد من الفنانين والشعراء من دارفور

الأربعاء، 25 أغسطس 2010

النّشر الإلكترُوني في السُودان.. هل سيطاله مقص الرقيب الامني؟

تقرير: هشام الطيب
ما أن تدخل إلى متصفّح شبكة الإنترنت إلا وتجِد أنّه مليءٌ من الداخل بآلافٍ مؤلفةٍ من الصُحف والمدوّنات الإلكترونيّة الزاخرة بالمواد والمواضيع الصحفيّة، المقالات، المعلومات، وربما تجِد بتلك المواقع ما لن تجدّه في جميع وسائل النّشر التقليدي من مزايا وخصائص، فالذي يبحثُ عن مقالةٍ نُشرت قبل وقت بصحيفةٍ ورقيّة سيواجه صعوبةً في إيجادها؛ وعليه أن يُنفق وقتاً وجهداً كبيرين في سبيل الحصول عليها، لكن في حال توّفُر المقالة إلكترونياً، فكل ما عليك هو أن تكتُب اسمها عند مُحرِّك البحث الموجود على الشبكة ثُم تضغط بعدها على الزر ENTER لتجدها وتجد معها كل المقالات التي تُشبهها في المضمون.
النّشر الإلكتروني، بمُختلفِ أنواعه على الشبكة العنكبوتيّة، هو واحدٌ من تقنيّات عصر المعلومات؛ يُعرِّفه عددٌ من الباحثين والمختصّين على أنّه اختزالٌ وتطويعٌ وبثٌ وتقديمٌ رقميٌ للمعلومات. أو بصورةٍ أخرى هو عمليّة خلق وثيقة جديدة يُنتجها المُرسل (= الكاتب)، ويُمكن عرضها بصورةٍ ورقية أو إلكترونيّة، تمتاز بتضمن النّص المكتوب والصوّر والرسُوم التي يمكن توليدها من خلال استخدام الحاسب الآلي.
وهو بذلك يمتلك جميع خواص الإعلام، بل ويرى بعض المُهتمين أنّه يتعدّاها إلى خواصٍ أعلى أحياناً، فمن جهة التفاعلية مثلاً تجده الأكثر تفاعلاً، خاصةً مع النُصوص والمقالات؛ فإذا تصفّحت أياً من الصّحف الإلكترونيّة ستجد كماً هائلاً من التعليقات على مواضيعها، وفي كثيرٍ من الأحيان تُصبح تلك التعليقات أضخَم بكثير من الموضوع نفسه، ويعزي الكثير من المهتمين ذلك التفاعُل الإلكتروني الكبير إلى توَّفر الحريّات إلى حدٍ كبير عند النشر على شبكة الانترنت، فلا أحدٌ يفرضُ على تعليقك رقابة قبلية أو أمنيّة كالتي يفترضها النشر الورقيّ عادةً، إنما كل ما عليك هو أن تستوفي شروط ولوائح النّشر لأي مؤسسة إلكترونيّة. أيضاً هنالك خاصيّة إشراك القارئ في تقييم الموضوع المنشور، وهناك أيضاً مزايا أخرى عديدة، مثل الأرشفة، وحفظ المعلومات، هذا بالإضافة إلىً إمكانيّة الاتصال المُباشر مع منتج المادة، عبر البريد الإلكتروني، أو المحادثات الفوريّة، الماسنجر، وغيرها من وسائل الاتصال.
لكن في مقابل كل تلك المزايا والخصائص، نجّد أنه في السودان لم يكُن النشر الإلكتروني ذا تأثيراً واضحاً على الشارع السوداني، إذ لم يُستخدم الإنترنت كوسيلة إعلاميّة أساسية، مثله مثل الصحف والقنوات؛ الشيء الذي فسّره كثير من المهتمّين بأنه نتاجٌ للضُعفٌ الكبير في الاستخدام التكنولوجي؛ ذلك الضعف الذي قالوا أنّه نتجَ من أسبابٍ عديدة، أهمهما عدم توّفر التكنولوجيا لدى المجتمع السُوداني كسلوك أساسي، وحتى الانترنت استخدامه متاح لفئات قليلة جداً في المجتمع، لذا فالنّشر الإلكتروني ليس له ذلك التأثير الكبير، لكن مع مرور الوقت ربما يُصبح ذا تأثير كبير في بلد مثل السودان قد عانى كثيراً من ويلات الرقابة عند النشر التقليدي.
عبد الهادي إبراهيم، مُحررٌ بصحيفة سودافويس الإلكترونيّة، وهي صحيفة الكترونيّة سياسيّة ثقافيّة صدرت على شبكة الإنترنت، تكفُل حريّة النشر للجميع عن طريق المراسلات البريديّة، سألنا عبد الهادي عن مزايا النّشر الإلكتروني في السُودان فقال: ( لا أحد يُنكر أن للنشر الإلكتروني في السودان مزايا عديدة، وهو بمثابة الصرح الذي يكفُل حريّة التعبير لكل من أراد، ذلك في ظل القيود التي تُفرض على بقيّة أشكال النّشر التقليدي بجميع أشكاله، وعندما نتحدّث عن النشر الإلكتروني هنا نستصحب معنا العديد من أشكال المواد التي تُنشر في ذلك الصرح، الصوّر، الفيديو، المقالة، الخ ... لكننا نصوِّب تركيزنا هنا على ما هو موضُوع الجدّل، النّشر المقرُوء، فنجد أنّه في كثيرٍ من الأحيان ملاذاً لكل المواد التي لم يستطع أو تعذَّر نشرها من خلالِ وسائل النّشر التقليدي للكثير من الأسباب، والتي من بينها الرقابة القبلية الأمنيّة على الصُحف، ويُمكن ملاحظة ذلك بصورةٍ دقيقة في المواقع الإلكترونيّة لتلك الصحف، فهي تُتيح للقارئ مطالعة المواد التي حُذفت من الصحيفة الورقيّة بواسطة الرقيب الأمني، وهذه واحدة من أهم مزايا النشر الإلكتروني، أيضاً معلوم لكل من له علاقة بالصّحافة أن هنالك بطئاً كبيراً في النشر على الصحف الورقيّة، فعلى سبيل المثال، إذا أردت نشر مقالة على جريدةٍ ما، فإنك ستنتظر لوقت طويل حتى تمر تلك المقالة بهيئة التحرير، وبالمراجع اللغوي، وبالتصميم,, إلى أن تُنشر، على خلاف النشر الإلكتروني الذي يوفّر وقتاً كبيراً للكاتب عند النشر، في مقابل ذلك نجد أن للنشر الإلكتروني سلبيات تقابل تلك الايجابيات أبرزها وجود السرقات الأدبيّة بصورةٍ كبيرة على الإنترنت، فلا يوجد -حتى الآن- قوانين رادعة في السودان من شأنها أن توقف أو تحد من حدوث تلك السرقات الأدبيّة المنتشرة على الإنترنت).
سألنا عبد الهادي عن الخصائص التي تجعل من المادة المنشورة إلكترونياً قويّة وفاعلة فقال: (أولاً يجب مراعاة الخصائص التصميميّة، الشكل/ وضع النص/ الصورة... الخ ، كذلك ضرورة فتح باب التفاعل بين القُراء والمواضيع، ويكون ذلك في الغالب عن طريق التعليقات على المقالات المنشورة، فذلك التفاعل من شأنه رفع مُعدّل القُراء والإسهام في توطين ثقافة الإدلاء بالرأي حول الموضوع، كذلك يجعل من القارئ جزءاً من التحرير، ففي كثير من المواقع الالكترونية نجد أن بعض الأخبار يتم تطويرها ومتابعتها ورصدها من قبل القراء).
وفي المقابل برزت في الفترة الأخيرة عددٌ الاتجاهات التي تشيرُ إلى أنّ النّشر الإلكتروني في السودان عرضةً للهجمات وللرقابة خلال أي وقت، وأشار كثيرٌ من المختصّين إلى أنّ الرقابة على النشر الإلكتروني ربما تكون أشرس من تلك التي تُمارس على النشر الورقي التقليدي، سواء كان متمثلاً في الصحف، أو في أشكال الرقابة والوصاية التي تمارس على الكاتب إذا أراد نشر وطباعة كتابه مثلاً، وقد كان لدوّلٍ عديدة تجارب حادة مع الرقابة الأمنيّة المتعلقة بالنشر الإلكتروني، تعرضوا خلالها لإغلاق وحجب العشرات من المدوّنات والصحف والمواقع الإلكترونيّة، كمصر، وتونس، على سبيل المثال لا الحصر، فقد توافق عدد من المهتمين والمختّصين على أن النّشر والتدوين الإلكتروني قد ساهم في إبراز وابتكار لغة إعلاميّة جديدة تعبِّر عن هموم الكاتب و أصبحت لما تتميز به من حريّةٍ و صدقٍ تكتسب جمهوراً وقراءً كثيرين، تجدهم قد سئموا هشاشة الخطاب الإعلامي التقليدي؛ ولجئوا لمتابعة المواد المنشورة في الفضاء الشبكي، وقد نجحت تلك المدونات بصورة كبيرة جداً، وصار لها تأثيراً واضحاً في عددٍ من البُلدان لكن ما كان لتلك النجاحات أن تمُرّ دون عقاب خاصةً في بلدانٍ تعتبر حريّة الرأي والتعبير جريمة يحاسب عليها بأبشع العقوبات؛ فكان الحجب المُتواصل للمدوِّنات والمواقع؛ بل وصل الأمر إلى السجن و الاختطاف كما حدث مع مدونين في بلدانٍ عديدة من بينها مصر و السعودية و المغرب.
وفي سبيل ذلك نشأت في الفترات الأخيرة اتحادات نقابية لكُتّاب الإنترنت في عدد من البلدان، تقف وتدعم حريّة التعبير والرأي، وتناهض كل أشكال الانتهاكات التي تُمارس على النّشر الإلكتروني في تلك البلدان.
بهذا فأنّ الإنترنت والنّشر الإلكتروني في السودان بصورةٍ عامة لم يكُن له تأثيراً واضحاً على الشارع السوداني – حتى الآن- هذا وفق ما وصفه كثيرٌ من المهتمين فهو لازال محصوراً داخل فئات معينة، أبرزها الفئات المثقفة، ومن لديهم الحد الأدنى من المهارات في استخدام الانترنت، وفي الغالب هم الأكثر تعليماً، والأكثر دخلاً، وهو بذلك لا يُحدّث تغييراً توعوياً مثلاً، إذ ينحصر تأثيره داخل دائر صغيرة جداً، لكنّه متى ما أصبح له وزناً وتأثيراً كغيره من الوسائل الإعلاميّة فإنّه سيتعرّض لتتلك الهجمة الرقابيّة الشرسة.

ملتقى المشِيِش بنيالا.. ممارسة ثقافية تسع الجميع

نيالا: راشد عبد الوهاب
المشِيِش.. اسم يجسد فكرة إنسانية عظيمة؛ تتمثل في النقاء الإنساني الذي يشبه نقاء ماء المشِيِش، أو ما يعرف في بعض مناطق السودان بالجمّام، وهو حفرة صغيرة تنبش بالأيدي في طرف النيل، أو الوديان لتنبع منها (موية) نقية ذات رائحة طيبة ينهل منها الجميع دون تمييز.
تأسس ملتقى المشِيِش للآداب والفنون، في 5/8/ 2004م، وهو ملتقى للنشاطات والفعاليات الموسيقية والمسرح، يستمد المشِيِش نشاطاته وفعالياته من الثقافات المحلية لدارفور عامة ومنطقة نيالا على وجه الخصوص، اتخذوا من مسرح نيالا مقراً وملتقى لهم، ورغم غياب تغطية وسائل الاتصال الجماهيري وخاصة الرسمية منها لمناشط المشِيِش، إلا أنهم شكلوا حضوراً لدى مواطن الولاية، وعملوا على التعريف بقضاياه من خلال الفعاليات.
عن البدايات الأولى لنشأة المشِيِش، يقول الممثل والمخرج، هيثم إبراهيم جلال الدين: (كانت النواة من مبادرة أطلقها، طارق أحمد سليمان، الذي عمل على جمع عدد من الفرق كانت تقوم ببروفات متواصلة دون أن تقدم عروض لتتواصل بها مع جمهورها، وطرحت حينها فكرة أن يُعرض مسرح فقط، باعتبار أن العروض المسرحية غير مكلفة بخلاف العروض الموسيقية التي تتطلب وجود مكبرات صوت، وآلات موسيقية، خرج العرض الأول للجمهور في يوم الخميس الموافق 5/8/2004 ثم استمرت التجربة). ويواصل هيثم عن تلك الفترة التي شهدت ظروف ولادة عسيرة قائلاً: (كان المسرح عبارة عن سينما، حيث يفتقر للكثير من المقومات، وما يزال يحتاج للتأهيل، غير أننا قمنا بتأسيسه عبر مجهوداتنا الذاتية، ولاحقاً تطورت الفكرة فأصبحنا نحتاج للعديد من المعينات ولم نجد بدورنا مفّراً سوى اللجوء لاستقطاب الدعم؛ فكان أن تبرعت لنا وزارة الثقافة بتكاليف خمس ليالي، ثم توجهنا لجهات أخرى مثل مستشفى مكة، والهلال الأحمر السوداني، وسينما نيالا، حيث قامت هذه الأخيرة برعاية مجموعة من العروض).
وعن ذات الفترة التأسيسية يقول عضو الملتقى، وخريج كلية الموسيقى والدراما، الدومة عبد الله دريج: ( قام هؤلاء الشباب بتطوير فكرة العمل الثقافي بمدينة نيالا، وقد وجد هذا الجيل فجوة نتجت من خمول ثقافي لفترة تقارب العشرة سنوات، واجهتهم حينها مشاكل عديدة من بينها إعادة الثقة للجمهور حول جدوى العروض المقدمة، وحتى المسرح لم يكن مهيئاً فهو لا يعدوا أكثر من كونه سينما، وفي تلك الفترة كانت هنالك عدد من المجموعات، مثل: أنغام وأنامل وغيرها من التي تمتلك أعمال ولم يتوفر لها مكان للعرض، ومن هنا قامت فكرة ملتقى المشِيِش، الذي أصبح بدوره ملتقاهم الذي يعرضوا فيه فنونهم وإبداعاتهم). ويضيف: (أنصّب تفكيرنا حينها في كيفية تفعيل الحراك في خشبة مسرح نيالا، حتى يعاود الجمهور ارتياده من جديد، وهذا ما استطعنا تحقيقه بالفعل؛ بل امتد العمل الثقافي ليدخل المعسكرات؛ عبر المنظمات التي كان يتطلب توصيل رسائلها عملاً درامياً، وكانت الرسالة تعد في قالب درامي ومن ثم تعرض في المعسكرات والمحليات القريبة، وفي فترة وجيزة انتشر ملتقى المشِيِش في كل المعسكرات والقرى القريبة).
وعن تطوير الفرقة وتنمية قدرات أعضائها يقول هيثم: (عقدنا ورشة عمل لتبادل الخبرات المتوفرة لدى أعضاء المجموعة، واستمرت قرابة الشهر، عرفنا عبرها قدراتنا الحقيقية، وخرجت توصيات الورشة بتعيين عدد من أعضاء الفرقة للدراسة في كلية الموسيقى والدراما، بغية الإسهام في تطوير الأداء ودفع الحراك الثقافي، وكان من ضمن الذين اختيروا للدراسة، إبراهيم ربك، محمد الحسين محمد، عثمان محمدين يور، هيام عبد الرحمن أبو القاسم، سعاد عيسى الحسن، هيثم إبراهيم جلال الدين، الدومة عبد الله دريج).
وعن المشاركات التي تقام في الخرطوم كمهرجان البقعة، يقول هيثم: (في 2006 راودتنا فكرة المشاركة في مهرجان البقعة، وكنا نواجه سؤالاً كيف نعرض مسرحاً يميزنا عن الآخرين، فشاركنا بمسرحية "كايليق"، وهي من إخراج أ. وليد عمر الألفي، حازت على عدة جوائز في الإخراج، وتم اختيار إبراهيم ربك كأفضل صوت مغني في المهرجان).
ويواصل هيثم قائلاً:( انفتحت الفرقة على الخرطوم في 2007، حيث تم تجهيز مسرحية "كاريار وديسا"، لكن وزارة الثقافة لم تستطع أن تنقل طاقم المسرحية إلى الخرطوم وتعذر تقديم العرض، وفي 2008 شاركنا بمسرحية "أهل الكهف" من إخراج وليد عمر الألفي، وقد أحرزت جائزة أفضل إخراج، ومن خلال مسرحية أهل الكهف قدمت لنا دعوة من الأكاديمية الهولندية للعرض في أمستردام، كما عرضت "كايليق" في الجزائر.
أما عن مدى مساهمة الملتقى في تنمية وتطوير الثقافات المحلية المتنوعة في دارفور فيقول هيثم: (الملتقى من أهدافه إيجاد طريقة عرض مغايرة وذلك لوجود ثقافات لم تجد حضوراً في الإعلام والمؤسسات الرسمية، وملتقى المشِيِش سخّر الإيقاع المحلي في إعادة تقديم التراث برؤية حديثة، والملاحظ في مسرحية "كلام مرفعين" أن المشهد الأول قدّم بلغة "الداجو" وأردنا عبر هذه العروض التعريف باللغات المحلية، وهي لغات تمتلك خصائص اللغة وبالتالي هي ليست لهجات أو رطانات كما يصفها البعض، لأن كلمة رطانة هي تقليل من شأن اللغة، وحتى مسرحية أهل الكهف كانت بلغة محلية، لأن اللسان الدارفوري دائما ما يشوَّه في الدراما السودانية). وهذا ما أكده الدومة عبد الله دريج وزاد قائلاً:( ظلت فكرة التغيير الثقافي تراودنا عبر أعمالنا الإبداعية، بحيث يتم تطوير الفلكلور الشعبي والأنماط الموسيقية الموجودة محلياً، ومجتمع دارفور ونيالا على وجه الخصوص يتميز بثقافات متعددة ومتنوعة تذخر بأشكال إيقاعية مختلفة، كل إيقاع له شكله الموسيقي ودلالاته، فبدأنا نستلهم ألحاننا من التراث لنأصل لثقافتنا، ثقافة التُمتُم والسيرة، بدلاً عن ثقافة المركز، فكانت الألحان مثل: (أبقردة دقة، نهاري البقيل، جيتا جيتو، ونيالا أم عيالا).
عرفنا منهم أن لديهم مساهمات تهدف لإرساء قيم السلام الاجتماعي والتعايش السلمي، وعن ذلك يقول دريج: (على المستوى الإنساني يقدم الملتقى لقاطني المعسكرات بسمة، وغنية، وضحكة، وحل). ويواصل قائلاً: (سبق وأن شارك الملتقى في العام 2006 مع عافية دارفور وعقد الجلاد وهو من فتح طريق المعسكرات لعقد الجلاد؛ فالمشِيِش من أوائل المجموعات الثقافية والمنظمات الوطنية التي دخلت المعسكرات، وما زالت تقدم لسكانها فنوناً راقية من غناء ومسرح يساهم بصورة فاعلة في رتق النسيج الاجتماعي)
وتقول شاذلية رئيسة الملتقى: (نحن نؤمن بقدرتنا على تغيير الواقع، والدليل على ذلك لو دخلت المعسكر ستجد الشخصيات المشهورة في مسرحيات المشِيِش موجودة ومتداولة).
أما عن معيقات العمل التي تواجههم تقول شاذلية :(لدينا مشكلة في الميزانية، لكنها ليست عقبة كبيرة أمامنا لأننا نؤمن بضرورة العمل بمجهوداتنا البسيطة في سبيل تحقيق الفكرة التي نؤمن بها، وكذلك يعيقنا أحياناً تدخل السلطات التي تحاول أن تحدد لنا مهامنا والقالب الذي نقدمه من خلال العمل الدرامي، وهذا تشويه، وفي أحد العروض في العام 2008م، اعتقلت الجهات الأمنية بنيالا عدداً من الشباب بمجرد نزولهم من الخشبة، والغريب في الأمر أن نفس المسرحية، شاركت في مهرجان البقعة، وحازت على الجائزة الأولى على مستوى السودان بعد أن كُرم أعضاء الفرقة من قبل نائب رئيس الجمهورية).
ملتقى المشِيِش للآداب والفنون، هي مجموعة تحمل هموم وقضايا دارفور/ نيالا على عاتقها، وخاصة أنها قد كرّست جهودها بُغية توصيل رسالة السلام الإجتماعي والبحث عن الحريات والحقوق الثقافية للجميع، فضلاً عن أنها تناقش قضايا النوع، وتعمل على الحد من كافة أنواع التميز التي تقوم على أساس العرق والدين والنوع واللغة. فالمشِيِش رغم شُح التمويل تعمل من خلال جهود أعضائها لتوصيل الرسالة التي جاء من أجلها ملتقاهم، والذي قالوا عنه أنه يسع الجميع