الخميس، 26 أغسطس 2010

الجماعات الثقافية في الدمازين.. أحلام بالتغيير ووعود قيد الانتظار

لجماعات الثقافية في الدمازين
أحلام بالتغيير ووعود قيد الانتظار
تقرير: وفاء أحمد
ما أن تطأ أقدام الزائر/ة لمدينة الدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق، فهذا يعني أن هنالك حديثٌ ما سيُذكر عن مباني مركز مالك عقار الثقافي، فالسكان يرددونه دوما علي لسانهم؛ وخاصة إذ كان الحديث ذو صله بلفعاليات الثقافية أو بالمباني الفخمة، لن يجد الزائر/ة كثير عناء للوصول إليه، وربما قد يقابل الزائر بسخرية أو بدهشة حين يسأل عن مكانه، فالجميع بما فيهم الأطفال يعرفونه جيداً.
وما أن تدخل عبر بوابه المركز، ستجد أشجار المانجو والقشطة وأشجار الزينة حاضرة في استقبالك؛ أو لمشاهده الدهشة التي ترتسم علي وجهك، ستجد عدد من الصالات المهيئة، كتب علي إحداها (صالة لينا)، ستجدها منتصبة بعد أن أحتضن بداخلها مسرح المركز ونادي السينما، وفي الجانب الآخر من المركز ستقرأ لافتة كُتب عليها (مكتبه)، تأكد حينها أنها عامرة بالكتب، خاصة الأكاديمية منها، ستعرف أن هنالك مبالغاً باهظة صُرفت عليها، ولن يُراودك الشك بأن هنالك مجهود وعمل دؤوب بداخله.
أثناء التجوال داخل المركز، وقبل الخروج منه للتعرف على مدينة الدمازين، ستجد نفسك مطمئناً كزائر علي حال الثقافة في تلك المنطقة.. وربما تجزم بأن المناشط الثقافية والمبدعين في النيل الأزرق في أحسن حال، ستقول أن السكان والفرق الغنائية، والشعبية الراقصة، والمسرحيين، والشعراء، ...إلخ، يمتلكون كل الأدوات التي تمكنهم من ممارسة نشاطهم الثقافي، ستقول كل ذلك بشرط ألا تخرج من المركز!.
نحن هنا لا نجري أي مقارنات بين مركز مالك عقار، والمراكز أو الدور المتخيلة في رؤوس أفراد بعد أن عجزوا عن تحقيقها، نحن نتحدث عن انطباع يصاحب الفرد أثناء تجواله داخل مركز مالك عقار، ليصطدم باحتجاج وامتعاض بعيدا عن مقر المركز وبداخل الدمازين، نتحدث هنا عن بعض الجماعات والفرق المسرحية التي عجزت عن ممارسة نشاطها طالما أعجزتها بعض المؤسسات بلوائح تقيّيد نشاطها، وجدنا أغلبهم يفتقر لأبسط مقومات العمل ويشتكي من سوء الحال.
وبدورنا لم نشاهد في الدمازين أي مسرح مؤهل، ونستثني من الحديث مركز مالك عقار، ففي تجوالنا في المنطقة وجدنا مسرحاً واحداً داخل المُجمّع الثقافي؛ سميناه مسرح لأننا وجدنا السابقين في السودان يسمون أي مساحة مبنية من الطوب وترتفع ما يربو للمتر (تقل أو تزيد) يسمونها مسرح!، وما يدعوا للدهشة أن وزارة الثقافة والإعلام والسياحة، قد خُصص لها مكتب داخل المجمع الثقافي، وذلك لأن وزارة الثقافة ليس لديها أي مبني خاص بها، فقرر المجمع أن يستضيفهم إلي حين إنشاء أو يجاد مبني لهم، لم نعرف حينها من يشتكي لمن، أو مّن يشفق على من.
التقينا بوليد محمّد عوض رئيس فرقة الاصائل المسرحية، عرفنا منه أنه يمثل أو يُعبِر عن سبعة مجموعات أو فرق مسرحية بالدمازين، وذلك بعد أن شرعوا في تكوين إتحاد نقابي لهم كمسرحيين ودراميين، واتفقوا علي عقد جمعية عمومية بعد فراغهم من إعداد دستور ولوائح للمنبر النقابي الذي اتفقت عليه السبعة فرق.
يقول وليد لـ"تعارف": (قابلنا وزير الثقافة والإعلام والسياحة، وبدوره استقبلنا بصدرٍ رحب ولم يصدّنا، لكنه لم يقدم لنا سوى وعداً قطعه علينا بأن يدعمنا دعما معنويا، مبررا بأن هنالك عجز مالي بالولاية).
وليد تحدّث إلينا ممتعضا حين جاء الحديث عن الرسوم التي فرضتها عليهم الوزارة في حال التسجيل وهي "150" جنيه، والتي يقول عنها: (نعتبر هذه الرسوم معيقه لنا، وتحد من نشاطنا، وعلى الوزارة أن تراعي أنها حديثة العهد ونحن كفرق موجودين في الساحة قبل مجيئ وزارة الثقافة ومُسجلين بالمجمع الثقافي).
لم تقتصر مشاكلهم علي تلك الرسوم المفروضة عليهم، خاصة أننا علمنا منهم أن لديهم مستحقات قديمة لدي الإذاعة والتلفزيون لم يصرفوها، ولذلك قاطعو بدورهم.
عرفنا أن مطالبه مختلفة لكنها بسيطة وتتمثل المطالب في:(مسارح، ودعم مادي، والاعتراف بهم بأن يكون لهم منبر نقابي يمثلهم، وأن يمتلك وزير الثقافة حصانة من أي تغوّل سياسي) وتحقيقها يعني ضرور وجود عمل ثقافي.
مطالب مختلفة وهموم ظلت تُلاحق مبدعي النيل الأزرق، ومع مجيء وزير الثقافة وتشكيل حكومته، ظنّ البعض أن مجيئه خلاصاً لكل العوائق التي تواجه الجماعات الثقافية؛ وقد اتضح ذلك حينما كرّم المسرحيين واتحاد الكتّاب والشعراء... بالنيل الأزرق وزير الثقافة والإعلام والسياحة، وقالوا أنه "الرجل" المناسب في المكان المناسب، وأكد ممثل المبدعين في كلمته بأنهم احتفلوا بوزير الثقافة لأنه شخص مؤهل لهذا المنصب؛ ولإلمامه بثقافة المنطقة، ولديه اهتمامات بالآداب والفنون؛ مما يجعله مدركاً لهموم المبدعين والقضايا الثقافية، وحينها قدمت فرقة مسرحية عروضاً مشبعة برسائل موجهة للوزير، تُشير في مضمونها إلى أن المسارح غير مؤهلة وأن هنالك تهميش للمبدعين، غير أنّ الوزير قدم لهم بدوره وعداً بأنه سيجعل من الولاية قِبلة للأنظار، وأكد لهم أنّه يمتلك خططا وإستراتيجيات لتأهيل المسارح وتهيئة البيئة للمبدعين.
هي آمال ركنها مبدعي المنطقة علي وزير الثقافة، آملين أن تجد حضورا داخل أجندة اجتماعاته، أو أن تسع رحم خزانة وزارته ولادة خلاص المبدعين.
لم نكتفي بدورنا لما سمعناه من صديق النور بشير وزير الثقافة في التكريم الذي أقامه له المسرحيين واتحاد الكتّاب والشعراء بمسرح المجمع الثقافي، فقررنا أن نذهب إليه في مكتبه بالمُجمّع الثقافي، حاملين معنا أدواتنا الصحفية وهموم ومطالب المبدعين لنري ماذا هو فاعل.
وعن التهميش الذي ظل يُلاحق المبدعين، وأهمية حضورهم في العمل الثقافي داخل النيل الأزرق، يقول الوزير: (آن الأوان لقبيلة المبدعين في هذه الولاية بأنّ يشكلوا مع الأجهزة التشريعية والتنفيذية حضوراً في أروقة اتخاذ القرار للسمو بطموحاتهم لبلوغ المرام، فأهل الإبداع والفن والإنتاج الإعلامي ظلوا علي الرصيف ردحا من الزمان، وعلي الجهاز التنفيذي والسياسي التشريعي أن يضعوا في الحسبان قيمة الثقافة في المجتمع، وبدوري تقع علي عاتقي مهام يجب القيام بها، وخاصة أننا في الإقليم مطالبون بنشر التنوير والتبصير للمواطن البسيط في الريف، وأن يفهم بان هذه المرحلة مفصليه في تاريخ حياته، وفيها أن يتم التعايش السلمي بين شعوبنا وأمامنا التحدي بأن يدرك المواطن دوره في أن يوصل قضيته عبر المؤسسات الإعلامية المتاحة؛ خاصة أن لولاية النيل الأزرق خصوصية اتضحت في اتفاقية السلام، فالإقليم يتمتع بالعديد من ضروب الثقافة والفنون مما يجعله رائدا في إرساء دبلوماسية التعايش السلمي عبر الفنون والثقافة الشعبية).
ويضيف قائلا: ( نحن نريد مزيدا من الدعم المالي لتحريك كل الفعاليات علي المستوي المحلي والقومي وفي ذلك اعتراف بدور الفنون والثقافة، في تقويم مسار السياسة إلي براح أفضل، والآداب والفنون فهي مفاتيح حضارة الشعوب).
وعن المسارح التي أكد أغلب المسرحيين بأنها خربة ولا ترتقي بأن يصعد عليها أحدهم ليقدم عبرها رسالة من شأنها أن تغيِّر في المجتمع، يقول: (نحن بصدد إنتاج مسارح جديدة بالمنطقة، وعلي طراز نمط المسرح القومي، لنتمكن من تقديم الرسالة المسرحية الهادفة وفق رؤية علمية، ويقع علي عاتقنا مهمة إرسال الجماعات والاتيام الناشطة في مجال المسرح علهم يساهموا معنا في التوعية والإرشاد لكافة قضايا وهموم المجتمع).
عرفنا أن الفعاليات الثقافية (الأمسيات/ المهرجانات، ....الخ) التي كانت تقام في السابق في الولاية قد اختفت، وعن أسباب ذلك الاختفاء يقول: (غياب الرابطة والجمعيات المسجلة في المنطقة وراء غياب الأنشطة، وبالضرورة وجود المجموعات الناشطة في الساحة تجبر الجهات المسئولة لتلبية رغباتهم وقبول مشروعاتهم المدروسة).
أما عن المبلغ المالي الذي طُلب من الفرق المسرحية كرسوم للتسجيل يقول الوزير: (لا ينبغي أن يكون هذا المبلغ المالي الذي يسدد من أجل إنشاء الفرق وتسجيلها؛ مبررا للركوض، خاصة أنها رسوم زهيدة وضرورية حتى يشعر الشباب أنهم جزء من صناعة وتأسيس، يتكامل فيه الدور الوطني، بأن يتكفل الفرد بدور معين، والجهات الأخرى يكون دورها تكميلي فقط، ولذا فإن المكون المحلي لقيام مؤسسات التنمية ضرورة لامناص منها).
أطلعنَا الوزير بأنّ هنالك عوائق كثيرة قد واجهت المسرحيين والدراميين في تكوين إتحادهم، ذلك بعد فراغهم من إعداد دستور ولوائح للمنبر النقابي الذي اتفقوا عليه، ثُم سألناه عن ترتيبات تكوين الجميعات والهيئات النقابيّة في الوزارة فقال: (لا أحد يمنع قيام الجمعيات والاتحادات والهيئات النقابية شريطة أن يتم ذلك عبر القنوات والطُرق الصحيحة، ويكفي أن شباب الدراما وضعوا لوائح ودستور لكي ينظموا أعمالهم ويديروا أنشطتهم وفقا للرؤية العلمية والقانونية المُتعارف عليها عن طريق قيام الجمعية العمومية، وفتح باب العضوية، واستخراج اللائحة والدستور، وعرضها علي الجهات القانونية، واستخراج بطاقات العضوية، وإعداد الملفات الخاصة، والاهتمام وبموجبها أن تنتظم الاجتماعات الدورية، وحينها يكتسبوا الحصانة الشرعية، وسيجدون بالضرورة من يساندهم علي تحريك الدعامة المالية التي ستعينهم لبناء الدار وشراء الأصول اللازمة لتحريك أعمالهم، وكما تعلمون فهذه الوزارة جديدة بمسماها ـ وزارة الثقافة والإعلام والسياحة ـ وتحتاج إلي تأسيس للبنية التحتية، وبدورنا نمدّ أيدينا إلي الخيّرين والمؤسسات الداعمة ليساهموا معنا في تأسيس هذه الوزارة وإعادة ترميم المؤسسات اللاحقة والتابعة بها، في مجال الثقافة والإعلام والسياحة، ونأمل بأن تنطلق مسيرة الثقافة والفنون في هذه الولاية علي يد شبابها).
عرفنا لاحقا أنّ عدد من الفرق المسرحية من ضمنهم الأصائل قد اجتمعت بالوزير وناقشته عن عدم توفر الإمكانيات اللازمة لتمويل فعالياتها، وبدوره لم يُصدر وزير الثقافة أي مرسوم أو منشور بإعفاء أو إلغاء الرسوم المقررة، ولكنه وجّه مسجل الفرق المسرحية بإعفائها من تلك الرسوم، وذلك كمساهمة منه لتلك الفرق.
وبدوره عيين الوزير لجنة تسيرية لعقد جمعية عمومية، وذلك بعد عيد الفطر وتكفل الوزير بكافة المعينات اللازمة لقيامها.
هي خطوة أولى بادر بها الوزير لإيجاد الحلول للمشاكل التي ظلت تلاحق الجماعات الثقافيّة في النيل الأزرق، وكل ما أشار له الوزير في حديثه السابق يفهم منه رغبته في التغيير، لكن تبقى أوضاع الجماعات الثقافيّة التي شكت من تدهوّر أوضاعها والعراقيل التي توضع على طريقها، تبقى في انتظار وعود الوزير التي ظل يرددها، غير أنّ البعض أكّد مخاوفه بأنّ المسئول السوداني دائماً ما يطلق الوعود لكنه نادراً ما يوفي بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق