الأربعاء، 11 أغسطس 2010

آثار جامعة الخرطوم.. سقوط وتغييب رغم القانون!

آثار جامعة الخرطوم.. سقوط وتغييب رغم القانون!
تقرير: لبنى عبد الله
في الوقت الذي تعلن فيه المؤسسات الرسمية بأنّ هنالك اهتماماً بالآثار السودانية، وذلك عبر التنقيب والدراسات فضلاً عن المتاحف التي من شأنها حفظ وحماية الآثار، غير أن نداءات الاستغاثة التي تطلقها بعض منظمات المجتمع المدني والمختصون في شأن الآثار أو المهتمون تؤكد أن الآثار السودانية مازالت عرضة للانتهاكات المستمرة. وما يدعو للتساؤل أن القانون ينص على عدم المساس بالآثار، وهنالك توجيه جمهوري يوجه الولايات بعدم التصرف في المناطق الأثرية القوميّة ويمنع قيام أي مشروع في نطاقها، لكن ذلك لم يوقف التعدي على الآثار.
ونحن هنا لسنا بصدد الانتهاكات والتخريب الذي يحدث بسبب الطرق والسدود أو الانتهاكات التي يبادر بها الأفراد عبر السرقات أو التلف المتعمد وغير المتعمد، ولكننا بصدد الحديث عن تداعيات ما حدث للسور الأثري لجامعة الخرطوم ـ وفق تقييم إدارة الآثار ـ، الذي تم هدمه مؤخراً.
وهنا نشير إلي أن إدارة الآثار بوزارة البيئة والآثار، خاطبت سابقا ـ أي قبل الهدم ـ جامعة الخرطوم، مؤكدة عليها عدم المساس بالسور الأثري بمباني جامعة الخرطوم التي تعتبر جميعها مبانٍ أثرية، بيد أن إدارة جامعة الخرطوم شرعت في هدم السور الأثري.
وحول ما حدث يقول مدير الإدارة العامة للآثار، بشرى إسماعيل:( وصلتنا أنباء في مايو من هذا العام بأن هنالك أعمال هدم في سور جامعة الخرطوم المواجه للنيل، وجاءنا إخطار بالتحرك، وعليه قمنا كإدارة معنية بأمر الآثار بولاية الخرطوم بعمل خطابات بتاريخ 20/5/2010م لمخاطبة إدارة الجامعة ).
ويرى بشري أن الهدم هو انتهاك للتوجيه الجمهوري بعدم التصرف في المناطق الأثرية القومية، ويمنع قيام أي مشروع في نطاقها.
احتوى الخطاب المرسل من الإدارة العامة للآثار، إلي وكيل جامعة الخرطوم د. محسن حسن، على قائمة بالمباني الأثرية والتاريخية بولاية الخرطوم، والتي يعتبر المقر الذي يشغلونه ضمنها تقع تحت الحماية بموجب قانون الآثار والمتاحف بولاية الخرطوم لسنة 2009م، وجاءت نهاية الخطاب مؤكدة على ضرورة التعاون في صون هذه المباني والحفاظ عليها بحيث لا تتم أعمال الترميم والصيانة الدورية إلا تحت إشراف وزارة البيئة والآثار مع الالتزام بعدم المساس بوحدة المباني.
وهنا نشير إلى أن جامعة الخرطوم ممثله في وكيل الجامعة قد بادرت بدورها بالرد على هذا الخطاب في ذات الشهر (مايو)، وجاء الخطاب موجهاً لمدير عام وزارة البيئة والآثار، ومتحدثاً عن مباني جامعة الخرطوم، ويقول فيه الوكيل: (أفيدكم بأن صيانة السور الشمالي للجامعة تمت بناء على دراسة ومشورة قسم الآثار بجامعة الخرطوم، وأن الصيانة لم تهدم الركائز القديمة، بل أضافت ركائز مماثلة في الأجزاء التي ليست بها ركائز، كما أنها لم تغير الشكل في الجزء الحديدي من السور سيعاد وضعه في مكانه بعد الانتهاء من إضافة الركائز).
يقول مدير إدارة الآثار بشرى إسماعيل: (رغم الخطاب الذي وجهناه لهم إلا أننا تفاجئنا بما لم يكن في الحسبان)
وفي شأن السور الذي تم هدمه يقول أحد أعضاء التيم الذي كلف بتوثيق الموقع ـ طلب عدم ذكر أسمه ـ: (تم إرسالنا لتوثيق سور الجامعة باعتباره تاريخياً وأثرياً، وكانت الصدمة حينما وجدنا السور التاريخي الأثري مهدماً).
والجدير بالتوضيح أن الجزء الذي تم هدمه يقع في الناحية الشمالية للجامعة ويوازي شارع النيل حتى كوبري بحري.
ويرى مدير الإدارة العامة للآثار أن هدم الجزء الشمالي من السور التاريخي بجامعة الخرطوم جريمة في حق الوطن، ويقول: (هذا الهدم يجافي القوانين والمواثيق الدولية ومتعارض مع قرار رئاسة الجمهورية القاضي بحماية المباني التاريخية والمواقع الأثرية الصادر بتاريخ 27 سبتمبر 2009م ويقضي بتوجيه حكومات الولايات بعدم التصرف في المناطق الأثرية القومية إلا بعد الرجوع لوزارة الثقافة والشباب والرياضة وأخذ رأي الوزارة قبل القيام بأية إجراءات تخطيط عمراني حول أو داخل المنشأة الأثرية القومية).
وما يدعو للتساؤل هو أن جامعة الخرطوم كانت على علم بالتوجيه الرئاسي والقانون كما أوضح مدير الآثار، والذي قال: (في شهر يناير الماضي خاطبنا كل الوحدات الحكومية التي تشغل مبانٍ ذات صفة تاريخية، وكان ذلك بتاريخ 18/1/2010م، شملت المخاطبة كل المؤسسات الواقعة على شارع النيل، كما أرفقنا مع الخطاب نسخة من قانون الآثار الولائي للعام 2009م والذي يحمي المبنى التاريخي ويُعرفه، وقد وقّعت جامعة الخرطوم وباقي الجهات بالاستلام).
وهنا نشير إلى أن بعض المختّصين في مجال الآثار قد أبدوا امتعاضاً من تلك القوانين المُناط بها حماية المواقع الأثرية في السودان، وهنا نشير إلي أن بعضهم أكد أن مباني الجامعة ترجع للعام 1902م، وشككوا أن يرجع عُمر السور لذات العام 1902م. وعن قوانين الآثار التي من شأنها حماية المواقع الأثرية، يقول بروفيسور خضر عبد الكريم المختص في مجال الآثار: (لا يمكن أن نتحدث عن قانون يحمي المواقع الأثرية إلا في حال وجود قانون ولائي).
ويواصل موضحاً: (صدر أول قانون للآثار في العام 1905م، والثاني في العام 1952م، وصدر آخر قانون في العام 1999م، وهذه القوانين تتعارض مع دستور 2005 القائم على اللامركزية والدولة الفدرالية).
وفي حديثه عن قانون 1999م يقول خضر (أن هذا القانون ينص بأن أي مبنى مرّت عليه مائة عام يصبح من ضمن قائمة الآثار، وبعدها يحتاج إلى مراقبة وجدولة وتسجيل، ليصبح معلوماً للجهات المسئولة بأنه أصبح مسجلاً ضمن المواقع الأثرية، والجدولة تقتضي متابعة وتسجيل يتمان عبر إعلان يوجه لجميع المؤسسات والجهات الحكومية).
يجب أن نشير إلى أن الحديث عن الانتهاكات ليس بجديد، وخاصة أننا أشرنا في كتابات سابقة عن الانتهاكات التي حدثت ومازالت تحدث في كثير من المواقع الأثرية، وما يدعو للتساؤل حقاً أن الجهات المناط بها حماية تلك الممتلكات تجدها إما في حالة استنكار أو إنكار لما يحدث. وحول سور جامعة الخرطوم أكد البعض أنه قد تم انتهاك خصوصيته الأثرية في بداية حكومة الإنقاذ وذلك حينما وجه يوسف عبد الفتاح بطلاء جيري له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق