الأربعاء، 25 أغسطس 2010

ملتقى المشِيِش بنيالا.. ممارسة ثقافية تسع الجميع

نيالا: راشد عبد الوهاب
المشِيِش.. اسم يجسد فكرة إنسانية عظيمة؛ تتمثل في النقاء الإنساني الذي يشبه نقاء ماء المشِيِش، أو ما يعرف في بعض مناطق السودان بالجمّام، وهو حفرة صغيرة تنبش بالأيدي في طرف النيل، أو الوديان لتنبع منها (موية) نقية ذات رائحة طيبة ينهل منها الجميع دون تمييز.
تأسس ملتقى المشِيِش للآداب والفنون، في 5/8/ 2004م، وهو ملتقى للنشاطات والفعاليات الموسيقية والمسرح، يستمد المشِيِش نشاطاته وفعالياته من الثقافات المحلية لدارفور عامة ومنطقة نيالا على وجه الخصوص، اتخذوا من مسرح نيالا مقراً وملتقى لهم، ورغم غياب تغطية وسائل الاتصال الجماهيري وخاصة الرسمية منها لمناشط المشِيِش، إلا أنهم شكلوا حضوراً لدى مواطن الولاية، وعملوا على التعريف بقضاياه من خلال الفعاليات.
عن البدايات الأولى لنشأة المشِيِش، يقول الممثل والمخرج، هيثم إبراهيم جلال الدين: (كانت النواة من مبادرة أطلقها، طارق أحمد سليمان، الذي عمل على جمع عدد من الفرق كانت تقوم ببروفات متواصلة دون أن تقدم عروض لتتواصل بها مع جمهورها، وطرحت حينها فكرة أن يُعرض مسرح فقط، باعتبار أن العروض المسرحية غير مكلفة بخلاف العروض الموسيقية التي تتطلب وجود مكبرات صوت، وآلات موسيقية، خرج العرض الأول للجمهور في يوم الخميس الموافق 5/8/2004 ثم استمرت التجربة). ويواصل هيثم عن تلك الفترة التي شهدت ظروف ولادة عسيرة قائلاً: (كان المسرح عبارة عن سينما، حيث يفتقر للكثير من المقومات، وما يزال يحتاج للتأهيل، غير أننا قمنا بتأسيسه عبر مجهوداتنا الذاتية، ولاحقاً تطورت الفكرة فأصبحنا نحتاج للعديد من المعينات ولم نجد بدورنا مفّراً سوى اللجوء لاستقطاب الدعم؛ فكان أن تبرعت لنا وزارة الثقافة بتكاليف خمس ليالي، ثم توجهنا لجهات أخرى مثل مستشفى مكة، والهلال الأحمر السوداني، وسينما نيالا، حيث قامت هذه الأخيرة برعاية مجموعة من العروض).
وعن ذات الفترة التأسيسية يقول عضو الملتقى، وخريج كلية الموسيقى والدراما، الدومة عبد الله دريج: ( قام هؤلاء الشباب بتطوير فكرة العمل الثقافي بمدينة نيالا، وقد وجد هذا الجيل فجوة نتجت من خمول ثقافي لفترة تقارب العشرة سنوات، واجهتهم حينها مشاكل عديدة من بينها إعادة الثقة للجمهور حول جدوى العروض المقدمة، وحتى المسرح لم يكن مهيئاً فهو لا يعدوا أكثر من كونه سينما، وفي تلك الفترة كانت هنالك عدد من المجموعات، مثل: أنغام وأنامل وغيرها من التي تمتلك أعمال ولم يتوفر لها مكان للعرض، ومن هنا قامت فكرة ملتقى المشِيِش، الذي أصبح بدوره ملتقاهم الذي يعرضوا فيه فنونهم وإبداعاتهم). ويضيف: (أنصّب تفكيرنا حينها في كيفية تفعيل الحراك في خشبة مسرح نيالا، حتى يعاود الجمهور ارتياده من جديد، وهذا ما استطعنا تحقيقه بالفعل؛ بل امتد العمل الثقافي ليدخل المعسكرات؛ عبر المنظمات التي كان يتطلب توصيل رسائلها عملاً درامياً، وكانت الرسالة تعد في قالب درامي ومن ثم تعرض في المعسكرات والمحليات القريبة، وفي فترة وجيزة انتشر ملتقى المشِيِش في كل المعسكرات والقرى القريبة).
وعن تطوير الفرقة وتنمية قدرات أعضائها يقول هيثم: (عقدنا ورشة عمل لتبادل الخبرات المتوفرة لدى أعضاء المجموعة، واستمرت قرابة الشهر، عرفنا عبرها قدراتنا الحقيقية، وخرجت توصيات الورشة بتعيين عدد من أعضاء الفرقة للدراسة في كلية الموسيقى والدراما، بغية الإسهام في تطوير الأداء ودفع الحراك الثقافي، وكان من ضمن الذين اختيروا للدراسة، إبراهيم ربك، محمد الحسين محمد، عثمان محمدين يور، هيام عبد الرحمن أبو القاسم، سعاد عيسى الحسن، هيثم إبراهيم جلال الدين، الدومة عبد الله دريج).
وعن المشاركات التي تقام في الخرطوم كمهرجان البقعة، يقول هيثم: (في 2006 راودتنا فكرة المشاركة في مهرجان البقعة، وكنا نواجه سؤالاً كيف نعرض مسرحاً يميزنا عن الآخرين، فشاركنا بمسرحية "كايليق"، وهي من إخراج أ. وليد عمر الألفي، حازت على عدة جوائز في الإخراج، وتم اختيار إبراهيم ربك كأفضل صوت مغني في المهرجان).
ويواصل هيثم قائلاً:( انفتحت الفرقة على الخرطوم في 2007، حيث تم تجهيز مسرحية "كاريار وديسا"، لكن وزارة الثقافة لم تستطع أن تنقل طاقم المسرحية إلى الخرطوم وتعذر تقديم العرض، وفي 2008 شاركنا بمسرحية "أهل الكهف" من إخراج وليد عمر الألفي، وقد أحرزت جائزة أفضل إخراج، ومن خلال مسرحية أهل الكهف قدمت لنا دعوة من الأكاديمية الهولندية للعرض في أمستردام، كما عرضت "كايليق" في الجزائر.
أما عن مدى مساهمة الملتقى في تنمية وتطوير الثقافات المحلية المتنوعة في دارفور فيقول هيثم: (الملتقى من أهدافه إيجاد طريقة عرض مغايرة وذلك لوجود ثقافات لم تجد حضوراً في الإعلام والمؤسسات الرسمية، وملتقى المشِيِش سخّر الإيقاع المحلي في إعادة تقديم التراث برؤية حديثة، والملاحظ في مسرحية "كلام مرفعين" أن المشهد الأول قدّم بلغة "الداجو" وأردنا عبر هذه العروض التعريف باللغات المحلية، وهي لغات تمتلك خصائص اللغة وبالتالي هي ليست لهجات أو رطانات كما يصفها البعض، لأن كلمة رطانة هي تقليل من شأن اللغة، وحتى مسرحية أهل الكهف كانت بلغة محلية، لأن اللسان الدارفوري دائما ما يشوَّه في الدراما السودانية). وهذا ما أكده الدومة عبد الله دريج وزاد قائلاً:( ظلت فكرة التغيير الثقافي تراودنا عبر أعمالنا الإبداعية، بحيث يتم تطوير الفلكلور الشعبي والأنماط الموسيقية الموجودة محلياً، ومجتمع دارفور ونيالا على وجه الخصوص يتميز بثقافات متعددة ومتنوعة تذخر بأشكال إيقاعية مختلفة، كل إيقاع له شكله الموسيقي ودلالاته، فبدأنا نستلهم ألحاننا من التراث لنأصل لثقافتنا، ثقافة التُمتُم والسيرة، بدلاً عن ثقافة المركز، فكانت الألحان مثل: (أبقردة دقة، نهاري البقيل، جيتا جيتو، ونيالا أم عيالا).
عرفنا منهم أن لديهم مساهمات تهدف لإرساء قيم السلام الاجتماعي والتعايش السلمي، وعن ذلك يقول دريج: (على المستوى الإنساني يقدم الملتقى لقاطني المعسكرات بسمة، وغنية، وضحكة، وحل). ويواصل قائلاً: (سبق وأن شارك الملتقى في العام 2006 مع عافية دارفور وعقد الجلاد وهو من فتح طريق المعسكرات لعقد الجلاد؛ فالمشِيِش من أوائل المجموعات الثقافية والمنظمات الوطنية التي دخلت المعسكرات، وما زالت تقدم لسكانها فنوناً راقية من غناء ومسرح يساهم بصورة فاعلة في رتق النسيج الاجتماعي)
وتقول شاذلية رئيسة الملتقى: (نحن نؤمن بقدرتنا على تغيير الواقع، والدليل على ذلك لو دخلت المعسكر ستجد الشخصيات المشهورة في مسرحيات المشِيِش موجودة ومتداولة).
أما عن معيقات العمل التي تواجههم تقول شاذلية :(لدينا مشكلة في الميزانية، لكنها ليست عقبة كبيرة أمامنا لأننا نؤمن بضرورة العمل بمجهوداتنا البسيطة في سبيل تحقيق الفكرة التي نؤمن بها، وكذلك يعيقنا أحياناً تدخل السلطات التي تحاول أن تحدد لنا مهامنا والقالب الذي نقدمه من خلال العمل الدرامي، وهذا تشويه، وفي أحد العروض في العام 2008م، اعتقلت الجهات الأمنية بنيالا عدداً من الشباب بمجرد نزولهم من الخشبة، والغريب في الأمر أن نفس المسرحية، شاركت في مهرجان البقعة، وحازت على الجائزة الأولى على مستوى السودان بعد أن كُرم أعضاء الفرقة من قبل نائب رئيس الجمهورية).
ملتقى المشِيِش للآداب والفنون، هي مجموعة تحمل هموم وقضايا دارفور/ نيالا على عاتقها، وخاصة أنها قد كرّست جهودها بُغية توصيل رسالة السلام الإجتماعي والبحث عن الحريات والحقوق الثقافية للجميع، فضلاً عن أنها تناقش قضايا النوع، وتعمل على الحد من كافة أنواع التميز التي تقوم على أساس العرق والدين والنوع واللغة. فالمشِيِش رغم شُح التمويل تعمل من خلال جهود أعضائها لتوصيل الرسالة التي جاء من أجلها ملتقاهم، والذي قالوا عنه أنه يسع الجميع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق