الأربعاء، 25 أغسطس 2010

النّشر الإلكترُوني في السُودان.. هل سيطاله مقص الرقيب الامني؟

تقرير: هشام الطيب
ما أن تدخل إلى متصفّح شبكة الإنترنت إلا وتجِد أنّه مليءٌ من الداخل بآلافٍ مؤلفةٍ من الصُحف والمدوّنات الإلكترونيّة الزاخرة بالمواد والمواضيع الصحفيّة، المقالات، المعلومات، وربما تجِد بتلك المواقع ما لن تجدّه في جميع وسائل النّشر التقليدي من مزايا وخصائص، فالذي يبحثُ عن مقالةٍ نُشرت قبل وقت بصحيفةٍ ورقيّة سيواجه صعوبةً في إيجادها؛ وعليه أن يُنفق وقتاً وجهداً كبيرين في سبيل الحصول عليها، لكن في حال توّفُر المقالة إلكترونياً، فكل ما عليك هو أن تكتُب اسمها عند مُحرِّك البحث الموجود على الشبكة ثُم تضغط بعدها على الزر ENTER لتجدها وتجد معها كل المقالات التي تُشبهها في المضمون.
النّشر الإلكتروني، بمُختلفِ أنواعه على الشبكة العنكبوتيّة، هو واحدٌ من تقنيّات عصر المعلومات؛ يُعرِّفه عددٌ من الباحثين والمختصّين على أنّه اختزالٌ وتطويعٌ وبثٌ وتقديمٌ رقميٌ للمعلومات. أو بصورةٍ أخرى هو عمليّة خلق وثيقة جديدة يُنتجها المُرسل (= الكاتب)، ويُمكن عرضها بصورةٍ ورقية أو إلكترونيّة، تمتاز بتضمن النّص المكتوب والصوّر والرسُوم التي يمكن توليدها من خلال استخدام الحاسب الآلي.
وهو بذلك يمتلك جميع خواص الإعلام، بل ويرى بعض المُهتمين أنّه يتعدّاها إلى خواصٍ أعلى أحياناً، فمن جهة التفاعلية مثلاً تجده الأكثر تفاعلاً، خاصةً مع النُصوص والمقالات؛ فإذا تصفّحت أياً من الصّحف الإلكترونيّة ستجد كماً هائلاً من التعليقات على مواضيعها، وفي كثيرٍ من الأحيان تُصبح تلك التعليقات أضخَم بكثير من الموضوع نفسه، ويعزي الكثير من المهتمين ذلك التفاعُل الإلكتروني الكبير إلى توَّفر الحريّات إلى حدٍ كبير عند النشر على شبكة الانترنت، فلا أحدٌ يفرضُ على تعليقك رقابة قبلية أو أمنيّة كالتي يفترضها النشر الورقيّ عادةً، إنما كل ما عليك هو أن تستوفي شروط ولوائح النّشر لأي مؤسسة إلكترونيّة. أيضاً هنالك خاصيّة إشراك القارئ في تقييم الموضوع المنشور، وهناك أيضاً مزايا أخرى عديدة، مثل الأرشفة، وحفظ المعلومات، هذا بالإضافة إلىً إمكانيّة الاتصال المُباشر مع منتج المادة، عبر البريد الإلكتروني، أو المحادثات الفوريّة، الماسنجر، وغيرها من وسائل الاتصال.
لكن في مقابل كل تلك المزايا والخصائص، نجّد أنه في السودان لم يكُن النشر الإلكتروني ذا تأثيراً واضحاً على الشارع السوداني، إذ لم يُستخدم الإنترنت كوسيلة إعلاميّة أساسية، مثله مثل الصحف والقنوات؛ الشيء الذي فسّره كثير من المهتمّين بأنه نتاجٌ للضُعفٌ الكبير في الاستخدام التكنولوجي؛ ذلك الضعف الذي قالوا أنّه نتجَ من أسبابٍ عديدة، أهمهما عدم توّفر التكنولوجيا لدى المجتمع السُوداني كسلوك أساسي، وحتى الانترنت استخدامه متاح لفئات قليلة جداً في المجتمع، لذا فالنّشر الإلكتروني ليس له ذلك التأثير الكبير، لكن مع مرور الوقت ربما يُصبح ذا تأثير كبير في بلد مثل السودان قد عانى كثيراً من ويلات الرقابة عند النشر التقليدي.
عبد الهادي إبراهيم، مُحررٌ بصحيفة سودافويس الإلكترونيّة، وهي صحيفة الكترونيّة سياسيّة ثقافيّة صدرت على شبكة الإنترنت، تكفُل حريّة النشر للجميع عن طريق المراسلات البريديّة، سألنا عبد الهادي عن مزايا النّشر الإلكتروني في السُودان فقال: ( لا أحد يُنكر أن للنشر الإلكتروني في السودان مزايا عديدة، وهو بمثابة الصرح الذي يكفُل حريّة التعبير لكل من أراد، ذلك في ظل القيود التي تُفرض على بقيّة أشكال النّشر التقليدي بجميع أشكاله، وعندما نتحدّث عن النشر الإلكتروني هنا نستصحب معنا العديد من أشكال المواد التي تُنشر في ذلك الصرح، الصوّر، الفيديو، المقالة، الخ ... لكننا نصوِّب تركيزنا هنا على ما هو موضُوع الجدّل، النّشر المقرُوء، فنجد أنّه في كثيرٍ من الأحيان ملاذاً لكل المواد التي لم يستطع أو تعذَّر نشرها من خلالِ وسائل النّشر التقليدي للكثير من الأسباب، والتي من بينها الرقابة القبلية الأمنيّة على الصُحف، ويُمكن ملاحظة ذلك بصورةٍ دقيقة في المواقع الإلكترونيّة لتلك الصحف، فهي تُتيح للقارئ مطالعة المواد التي حُذفت من الصحيفة الورقيّة بواسطة الرقيب الأمني، وهذه واحدة من أهم مزايا النشر الإلكتروني، أيضاً معلوم لكل من له علاقة بالصّحافة أن هنالك بطئاً كبيراً في النشر على الصحف الورقيّة، فعلى سبيل المثال، إذا أردت نشر مقالة على جريدةٍ ما، فإنك ستنتظر لوقت طويل حتى تمر تلك المقالة بهيئة التحرير، وبالمراجع اللغوي، وبالتصميم,, إلى أن تُنشر، على خلاف النشر الإلكتروني الذي يوفّر وقتاً كبيراً للكاتب عند النشر، في مقابل ذلك نجد أن للنشر الإلكتروني سلبيات تقابل تلك الايجابيات أبرزها وجود السرقات الأدبيّة بصورةٍ كبيرة على الإنترنت، فلا يوجد -حتى الآن- قوانين رادعة في السودان من شأنها أن توقف أو تحد من حدوث تلك السرقات الأدبيّة المنتشرة على الإنترنت).
سألنا عبد الهادي عن الخصائص التي تجعل من المادة المنشورة إلكترونياً قويّة وفاعلة فقال: (أولاً يجب مراعاة الخصائص التصميميّة، الشكل/ وضع النص/ الصورة... الخ ، كذلك ضرورة فتح باب التفاعل بين القُراء والمواضيع، ويكون ذلك في الغالب عن طريق التعليقات على المقالات المنشورة، فذلك التفاعل من شأنه رفع مُعدّل القُراء والإسهام في توطين ثقافة الإدلاء بالرأي حول الموضوع، كذلك يجعل من القارئ جزءاً من التحرير، ففي كثير من المواقع الالكترونية نجد أن بعض الأخبار يتم تطويرها ومتابعتها ورصدها من قبل القراء).
وفي المقابل برزت في الفترة الأخيرة عددٌ الاتجاهات التي تشيرُ إلى أنّ النّشر الإلكتروني في السودان عرضةً للهجمات وللرقابة خلال أي وقت، وأشار كثيرٌ من المختصّين إلى أنّ الرقابة على النشر الإلكتروني ربما تكون أشرس من تلك التي تُمارس على النشر الورقي التقليدي، سواء كان متمثلاً في الصحف، أو في أشكال الرقابة والوصاية التي تمارس على الكاتب إذا أراد نشر وطباعة كتابه مثلاً، وقد كان لدوّلٍ عديدة تجارب حادة مع الرقابة الأمنيّة المتعلقة بالنشر الإلكتروني، تعرضوا خلالها لإغلاق وحجب العشرات من المدوّنات والصحف والمواقع الإلكترونيّة، كمصر، وتونس، على سبيل المثال لا الحصر، فقد توافق عدد من المهتمين والمختّصين على أن النّشر والتدوين الإلكتروني قد ساهم في إبراز وابتكار لغة إعلاميّة جديدة تعبِّر عن هموم الكاتب و أصبحت لما تتميز به من حريّةٍ و صدقٍ تكتسب جمهوراً وقراءً كثيرين، تجدهم قد سئموا هشاشة الخطاب الإعلامي التقليدي؛ ولجئوا لمتابعة المواد المنشورة في الفضاء الشبكي، وقد نجحت تلك المدونات بصورة كبيرة جداً، وصار لها تأثيراً واضحاً في عددٍ من البُلدان لكن ما كان لتلك النجاحات أن تمُرّ دون عقاب خاصةً في بلدانٍ تعتبر حريّة الرأي والتعبير جريمة يحاسب عليها بأبشع العقوبات؛ فكان الحجب المُتواصل للمدوِّنات والمواقع؛ بل وصل الأمر إلى السجن و الاختطاف كما حدث مع مدونين في بلدانٍ عديدة من بينها مصر و السعودية و المغرب.
وفي سبيل ذلك نشأت في الفترات الأخيرة اتحادات نقابية لكُتّاب الإنترنت في عدد من البلدان، تقف وتدعم حريّة التعبير والرأي، وتناهض كل أشكال الانتهاكات التي تُمارس على النّشر الإلكتروني في تلك البلدان.
بهذا فأنّ الإنترنت والنّشر الإلكتروني في السودان بصورةٍ عامة لم يكُن له تأثيراً واضحاً على الشارع السوداني – حتى الآن- هذا وفق ما وصفه كثيرٌ من المهتمين فهو لازال محصوراً داخل فئات معينة، أبرزها الفئات المثقفة، ومن لديهم الحد الأدنى من المهارات في استخدام الانترنت، وفي الغالب هم الأكثر تعليماً، والأكثر دخلاً، وهو بذلك لا يُحدّث تغييراً توعوياً مثلاً، إذ ينحصر تأثيره داخل دائر صغيرة جداً، لكنّه متى ما أصبح له وزناً وتأثيراً كغيره من الوسائل الإعلاميّة فإنّه سيتعرّض لتتلك الهجمة الرقابيّة الشرسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق