الأحد، 5 سبتمبر 2010

مسرح نيالا البحير .. خراب دام لسنوات والكل يبرر ويتهم الكل

تقرير: راشد عبد الوهاب
ربما لم يكن منظر ذلك المسرح يعكس شيئاً من الغرابة لأفراد ملتقى المشيش، ولا لجمهور مدينة نيالا المتابع للفعاليات التي تقام في المسرح، فقط لتعودهم عليه ومراقبتهم له منذ الثمانينات؛ لكن الزائر/ة للمسرح الذي يتبع لوزارة الثقافة ويقع بالقرب من نادي الكشافة، سيلحظ/تلحظ، أن المسرح لا يختلف كثيرا عن الصورة المحفورة في الذاكرة والتي تخص المسارح المدرسية ـ مكان مرتفع تحيط به مباني ـ ويسمى مجازاً مسرح، وما أن يجول الزائر/ة بنظره/ا في أرجاء خشبة المسرح، سرعان ما سينتابه/ا إحساس بالإشفاق على هؤلاء المسرحيين؛ وخاصة أنّ الميكرفونات موزعة على الأرض لعدم وجود حوامل أو خطاطيف تعلق عليها .. وهم يحاولون بقدر الإمكان تجنبها وعدم التعثر بها، كما يجب عليهم أن يقتربوا منها لتوصيل أصواتهم للجمهور، وبين الاقتراب والحذر يتشوه الفعل الدرامي _ حركة الممثل داخل المسرح _ الذي يتطلبه النص أو الشخصية.
وبدورها لن تنجو تعابير وجههم وانفعالاتهم وذلك حينما تضيع بسبب الإضاءة المشتتة بصورة عشوائية، وسترتعب وأنت تسمع صوت فرقعة أرضية المسرح المصنوعة من الخشب وهي تئن تحت أقدام الممثلين.
حتى الجمهور ليس بمنأى عن المعاناة المصاحبة للعرض، إلا أن معاناته لا تقتصر علي الإضاءة والصوت فقط، فقد وضع مسئولي المسرح عددا من الكراسي البلاستيكية والحديدية التي ستقسو بلا شك علي مؤخرات الحضور، فضلا عن أن المسرح يفتقر للعدد الكافي من دورات المياه.
عن تفاصيل هذه الأوضاع، تحدث إلينا، عثمان محمدين يور المسرحي والعضو المؤسس لملتقى المشيش بنيالا قائلاً: (لم يكن هنالك في بادئ الأمر أي مسرح، فقد كان المبني يستخدم للعروض السينمائية؛ وجاء تصميمه ليلاءم السينما وليس المسرح، ورغم أنه لم يكن مقنعا للعرض السينمائي فهو بالضرورة ليس مقنعا لأي عرض مسرحي، لذلك تصميمه لا يرضينا بأي حال، بالإضافة إلي أنه يفتقر للعديد من المواد والمعينات، ويحتاج لحل جذري لمشكلة الكهرباء والمياه التي غابت لفترة طويلة عن المسرح، وسيعرف أي زائر أو زائرة للمسرح أن يحتاج للصيانة، وكذلك تواجهنا مشاكل في الخدمات مثل الكراسي ودورات المياه). الأمر الذي أكده هيثم إبراهيم جلال الدين، المسرحي ومن المؤسسين لملتقى المشيش، وأضاف إليه قائلاً:( التصميم الحالي للمسرح في رأينا كمسرحيين لا يصلح لتقديم عرض درامي، وتشوبه العديد من الأخطاء، ولكنه على علاته يعتبر المتنفس الوحيد لنا كمجموعات، إذ لا توجد دور عرض غيره، الأمر الذي يجعلنا أشد حرصاً على صيانته وتأهيله، فالمسرح تنقصه العديد من الجوانب الفنية ومن بينها الستار والإضاءة والكواليس).
إلا أن الصادق علي أحمد مدير مسرح نيالا البحير ، له رأي آخر إذ يقول:(المسرح الآن بحالة جيدة فقط يحتاج للقليل من النظافة) ولكنه يعود ليقول: ( الكهرباء مقطوعة منذ فترة، وإلى الآن لم يتم إرجاعها لأن المسرح عليه مديونية كبيرة).
رغم ان الصادق لم يحدد لنا قيمة المبلغ إلا أنه أستدرك قائلا: (علينا أن ندفع شهرياً مبلغ وقدره 100 جنيه وبعدها ستعود الكهرباء)، وفي هذا الخصوص يقول مدير عام وزارة الثقافة، محمد صالح:( نحن قمنا بصيانة هذا المسرح في شهر مايو الماضي، وأعدنا بناء الأسوار المنهارة، أما عدم توفر الكهرباء والمياه، فهذه مشكلة عامة في مدينة نيالا، ونحن لدينا وابور إحتياطي للمسرح).
عرفنا في ملف (تعارف) الثقافي، من أعضاء بعض المجموعات، أنهم يقومون بدفع رسوم تسجيل، ويقومون بتجديد تسجيلهم سنوياً إلا أن تلك الرسوم لا تنعكس إليهم كخدمات، وفي ذلك تقول رئيسة جمعية أصدقاء الطفولة:(يجب أن تَطَّلِع الوزارة بدورها الذي يتمثل في دعم العمل الثقافي في الولاية، كما يجب أن تساعد هذه المجموعات في تطوير قدراتها، نحن كمجموعات مسجلين لدى الوزارة وندفع رسوم تبلغ حوالي 57 جنيه، ونقوم بتجديد تسجيلنا سنوياً، ونرى أن الرسوم التي ندفعها يجب أن تنعكس إلينا كخدمات). أما مدير عام وزارة الثقافة فقد قلل بدوره من شأن هذه الرسوم قائلاً:(عدد الجماعات المسجلة تقارب الخمسين جماعة، تقوم بدفع رسوم تسجيل سنوية رمزية تبلغ 57 جنيه، ومجمل ما نتحصله منها في السنة لا يتجاوز الـ"2500" جنيه، وهذه الرسوم لن تُحل أي من المشكلات المتعلقة بالمسرح)، ولكنه يعود ليؤكد أن هنالك خطوات رامية لتهيئة بيئة المسرح: ( لقد وعدنا الإتحاد العام الطلاب السودانيين، بتوفير 1000 كرسي، ووزير الرياضة الأسبق وعدنا بدوره بتوفير جهاز إلكتروني للصوت والضوء والستائر وحدد شهر مايو القادم موعدا للتسليم، أما الخدمات ودورات المياه فهذه تحل في إطار خطة لصيانة كل مرافق الوزارة، وهذه الخطة ستنفذ عبر وزارة التخطيط العمراني قسم المرافق الحكومية).
وفي معرض حديثه يقول عضو المشيش عثمان يور:(لدينا كملتقى المشيش، جهاز ساوند سيستم إستولت عليه الوزارة، وقامت بتخزينه فترة من الزمن وليس هنالك فني متخصص لتشغيله)، الأمر الذي أكده هيثم جلال الدين وأضاف قائلاً:( الساوند منحته منظمة المعونة الأمريكية لملتقى المشيش تثميناً لدور الملتقي في إنجاح أحد مشاريعها ـ مشاريع المعونة الأمريكية ـ داخل معسكرات النازحين، إلا أن الوزارة إستولت عليه، إذ أن المعونة الأمريكية قدمت لنا دعمها عبر الوزارة، وأحياناً عندما نتقدم بطلب لاستعارته، غير أنهم يرفض طلبنا وأحياناً تواجهنا بعض التعقيدات الإدارية)،
إلا أن مدير مسرح نيالا البحير (الصادق علي أحمد)، نفى بدوره هذا الأمر قائلاً:(الساوند هو نفسه الذي تبرعت به المعونة الأمريكية ولكنه "تابع للوزارة" وليس لجهة أخرى، فهنالك عدد من الفرق التي تؤدي نشاطاتها بهذا الساوند، والمسرح عموماً بنى لكافة أشكال العمل الثقافي في الولاية، وليس لجهة محددة، والتصديق للساوند يتم بسهولة وبدون تعقيدات)، وعن عدم توفر الفنيين يقول:(نحن كإدارة مسرح ليس لدينا فنيين مختصين لتشغيل الساوند، ولكننا طلبنا من الجماعات والفرق أن تختار "شابين" نقوم بتعينهم كفنين، ليبعثوا إلى لخرطوم لتلقي المزيد من التأهيل والتدريب غير أن الفرق والجماعات لم تهتم بطلبنا هذا)، وبخصوص جهاز الساوند سيستم يقول مدير عام وزارة الثقافة:( ليس لدي علم بهذه المعلومة، فمنذ أن قدمت للوزارة في العام 2009م، وجدت أن الساوند سيستم جزء من ممتلكات المسرح، وهذا الأخير يتبع للوزارة، ولم أسمع بتبعيته لأي منظمة أو جمعية، وإذا كان هنالك جهة تدعي أن الساوند يخصها دعها تأتي إلي غداً، وسأعطيه لهم إذا كان فعلاً ملك لهم، وأنا أقول هذا الكلام بمنتهى التجرد).
وفي جانب آخر يخص تصميم المسرح، الذي يصفه المختصين المسرحيين من أعضاء بعض الفرق بأنه غير صالح للعمل المسرحي، يقول مدير المسرح الصادق: (المسرح تمت إعادة بناءه في العام 2007على نفقة المنظمة الأمريكية، التي قدمت الدعم عن طريق الوزارة، وقامت بتنفيذ المشروع شركة "أولاد الطاهر" عن طريق عطاء، وتم عمل الخرطة عن طريق مهندس من وزارة التخطيط العمراني، ولكن هذه الخرط لم تراجع من قبل مختصين في المسرح)، وفي ذات السياق يقول عضو المشيش هيثم:( لقد قمت شخصياً بتقديم خرطة للوزارة إبان إعادة بناء المسرح في العام 2007 وتم رفضها من قبل الوزارة والشركة المنفذة للمشروع بدون أي مبررات)، الأمر الذي نفاه مدير المسرح الصادق قائلاً:(لم تصلنا أي خرط من أي جهة، بخلاف الخرطة التي تم تفيذها والتي تخص وزارة التخطيط العمراني)، وبدوره نفي مدير عام وزارة الثقافة عن علمه بموضوع الخرطة، وقال: (في العام 2007 لم أكن موجودا بوزارة الثقافة، وليس لدي ما أقوله بهذا الخصوص).
وفي الوقت الذي قال فيه بعض منسوبي الفرق والجماعات، أن مسرح البحير يعتبر ملاذهم الوحيد، ولا يوجد دور عرض غيره، الأمر الذي نفاه مدير عام وزارة الثقافة قائلاً:( بخلاف مسرح البحير، يوجد مسرح مركز الشباب الذي يتبع لوزارة الشباب، وكذلك مسرح جامعة نيالا، ومسرح قصر الضيافة، بالإضافة لبعض المسارح في بعض المدارس).
في الوقت الذي تؤدي فيه وزارات الثقافة في كل بقاع الدينا، أدوراً كبرى فيما يختص بالعمل الثقافي على مختلف مستوياته، إلا أننا نجد أن وزارة الثقافة في ولاية جنوب دارفور تقول على لسان مديرها العام انها مجرد جهة داعمة للثقافة وليست جهة منتجة لها، وعلى إثر هذا التصريح قد يبدي البعض قلقهم إذاء الأوضاع الثقافية في الولاية، وذلك للدور المتعاظم الذي تسهم به الثقافة _ بوصفها منظومة مركبة من الأديان واللغات والأزياء والعادات والتقاليد بالإضافة للآداب والفنون _ في إرساء دعامات قوية لأسس التعايش السلمي، ومفاهيم قبول الآخر، وحتى أحدث مفاهيم التنمية تتخذ من الثقافة ومن الإنسان حامل الثقافة موضوعة أساسية لتحقيق الأهداف التنموية، وحسب ما يرى عدد من المراقبين والمهتمين بولاية جنوب دارفور، وبالشأن الدارفوري بشكل عام، أن الولاية في أمس الحاجة لمثل هذا الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق