الأحد، 5 سبتمبر 2010

العلمانية في منتدى إيهاب طه

ـ العلمانية هي رصد وفحص لطريقة فهم العقل ومن ثم منحة القيمة والمعنى
ـ التفكير العلماني تفكير منفتح على المتغيرات

ـ للوصول إلي نظام مفتوح ومتعدد المشروعية يجب إزاحة القداسة عن السلطة

أقام منتدى إيهاب طه، في مساء يوم الثلاثاء الماضي بدار حزب المؤتمر السوداني، منتدى بعنوان: (العلمانية)، وجاءت الندوة التي تحدث فيها عبد الرحمن عثمان عبودي، وناقش فيها طرق التفكير التي قال أن البعض ركن علي تداولها باعتبارها مسلمات ولم تنجوا من ذلك حتى العلمانية نفسها، وأشار عبودي إلي انه يجب النظر إلي العلمانية بوصفها حركة تهدف للخروج من نظام البداهات، وبوصفها أحد منجزات الحداثة؛ المناط بها تغيير طرق التفكير القديمة.

رصد : محمد دارقيل

ابتدر عبودي حديثه قائلاً: لا يمكن الحديث عن العلمانية بمعزل عن تاريخ نشأتها، وتطورها، وبالتالي تصبح مراجعة العلمانية في صياغها التاريخي واللغوي والمعرفي والمجتمعي؛ ليس هو بحث في تطورها أو حتي تطور في المؤسسات التي عملت على حراسة وتطور الثورات التي نشأت داعمة أو رافضة للعمانية، بيد أنّ العلمانية هي رصد وفحص لطريقة فهم العقل الإنساني ومن ثم منحه القيمة والمعنى.
ويضيف عبودي قائلاً: (لا تختلف العلمانية عن بقية العلوم الإنسانية الأخرى، ويُمكن القول بأن فكرة العلمانية هي اللحظة التي أقام فيها العالم الإنساني قطيعة بين أنظمة تحكم العالم القديم، وأنظمة تحكم العالم الحديث المتصور.. المتطلع له، فهذا القطع بين ما "قبل" وما "بعد" ليس حدثاً حقيقيا،ً بقدر ماهو حدث مفاهيمي، وحدث في التفكير).
وأستدل علي ذلك بقوله: ( مثلاً يقوم الناس بإرجاع شعارات الحداثة إلي الثورة الفرنسية، لكن حينما قام الفرنسيين بهذه الثورة، لم يكونوا يتحدثون عن ثورة علمية ومفاهيمية، ولا لشيء ذا صلة بمنتجات الثورة الفرنسية، ولكن كان الفرنسيين يتحدثون عن تحديد سلطة الكنيسة ورجال الدين، وبالتالي لم يكن حينها مفهوم الثورة الفرنسية بذلك الأتساع الذي نفهمه به اليوم، وما حدث هو ان المخيلة الإنسانية جعلته حدثاً ملهماً ومحركاً لثورات التحرر، وما يمكن فهمة من ذلك أن هناك إرادة إنسانية ما تقوم بقطيعة بين ما "قبل" وما "بعد".
ويواصل حديثه قائلاً: (أعتاد معظمنا الحديث عن العلمانية في إطارها السياسي، باعتبارها فصل للدين عن الدولة، أو التمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي، ولأن السودان يُعد أحد دول العالم الثالث، وما تزال تتحكم به بنية صارمة سنسميها هنا إجرائياً الأبنية المتعالية (=الدم، القربى، العرق، الدين...إلخ)، وبالتالي يصبح حديث البعض عن العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة، لا تعدو أكثر من كونها طريقة مريحة في التفكير؛ باعتبارها تضع تمييز وهوية صارمة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، دونما تداخل، وهذا نمط تفكير خالص ونقي ويشبه إلي حد كبير التفكير الأسطوري في بواكير الفكر الإنساني، في خلقه لحدود صارمة وفاصلة متخيلة وليس لها وجود، لكن أبسط مطالعة لموضوع العلمانية نجد أنها لم تبدأ في الحقول العلمية، بل بدأت من داخل الحقل الديني، والبعض يردها لـ"مارتن لوثر" واعتراضاته الـ"112" على الكنيسة الكاثوليكية والبابا، ويردها آخرون إلي بدايات حركة النقد التاريخي واللغوي (=الفينولوجي) للكتاب المقدس، والتي قامت قبل مارتن لوثر بمائتي عام، وهي بحث في معقولية النص الديني ومشروعيته، وكانت تهدف لإيجاد مجال جديد للمعنى، ففي تلك الفترة كان للعالم المسيحي إلهيين، وعلى العلماء أداء القسم أمام الكنيسة، وأن لا يأتوا بشيء مخالف للكتاب المقدس وأرسطو، فهذه الحركة وضعت معقولية ومشروعية الكتاب المقدس في العالم القديم على المحك، وحركة النقد التاريخي واللغوي ابتدرها عالمان هما (أوريل داكوستا) و(بارخ إسبينوزا)، وبدأت هذه الحركة في محاولة لفحص فكرة الحدث الإنساني داخل النص الديني، وعلى بساطة هذه الفكرة وضعت كل القصص في العهد القديم محل نظر وطرحت ملايين الأسئلة، فالعلوم الإنسانية لم تكن قادرة على إيجاد تفسير منطقي لهذه النصوص، مما جعل الحدث داخل النص الديني لا يشبه بأي حال الحدث داخل الحياة الطبيعية للبشر، فوصلوا لأن هناك مستويات للمعنى داخل النص الديني، وبالاستناد علي ذلك قال أوريل داكوستا وبارخ إسبينوزا أن المستوى المباشر أو المستوى الحرفي الذي يظهر للعيان ليس هو المستوى الوحيد وإنما هناك مستوى أعمق للنص الديني).
وفي تعريفه للعلمانية يقول عبودي: (يمكن أن نعرفها باعتبارها حركة للخروج من نظام البداهات، بدلاً من كونها قطيعة بين ما هو قديم وجديد).
ويضيف: (من خلال التعريف السابق للعلمانية ـ وهو تعريف إجرائي ـ نخلص بأنه يجب أن نتخلص من التعالي المضروب حول العلمانية والنظر إليها كمخلص بقدر ما هي طريق لإيجاد حلول لإشكالات مجتمعاتنا، ونستطيع الإجابة عن أكثر الأسئلة إحراجاً وهي أن هناك حكام علمانيين كانوا أكثر صلفاً وظلماً من الكنيسة في قمة عهدها الاستبدادي؛ فبدلاً من القول عن أن الخطأ يكمن في تطبيق العلمانية وكأنما هناك فصل وقع بين التنظير والتطبيق، يمكن الإجابة ببساطة أن أي فكرة بشرية تنطوي بالضرورة على أخطاء تظهر في التطبيق. والتفكير بطريقة الخروج من نظام البداهات، يفضي بنا للخروج من مأزق تلك الأخطاء.
وتساءل بعدها عبودي: (لماذا نحن بحاجة لإعادة النظر في كل تفاصيل حياتنا)، وأجاب بدوره قائلاً: (نحن جزء من عالم كبير، ولا تحكمه معاني نهائية للأشياء على عكس الأبنية المتعالية التي تتحكم في مجتمعاتنا، وبالضرورة ليس هناك شيء كلي وثابت يحكم البشر؛ وإنما هناك تغاير في الحياة، وبالتالي في تعريفنا لذواتنا وتعريفنا للآخر، وفي صراعنا مع هذه الأبنية نحتاج للحديث عن العلمية، وكما عرف الأوربيين الثورة العلمية بإزاحتها للسحر عن العالم، وإحلال مبدأ العلم مكان الكنيسة والله، فبدلاً من تعريف الجنون باعتباره أرواح شريرة تعبث بالعقل البشري، حل تعريف للجنون باعتباره خلل فسيولوجي في الموصلات العصبية للنظام الكهربي للمخ، فهذا التحول فتح مجالات كثيرة للعقل الإنساني لم تكن متاحة من قبل، وطالما كانت المعرفة محتكرة على فئة محددة من المؤسسات وبإجراءات صارمة جدا بدأ الانفتاح نحو الإنسان، ففي موجهتنا للأبنية المتعالية علينا أولاً مواجهة ذواتنا، فالتفكير العلماني تفكير منفتح على المتغيرات، ومنفتح على كل ما هو جديد، فيجب إزاحة القداسة عن السلطة لنصل إلى نظام مفتوح ومختلف ومتعدد المشروعية، فالأشياء لا تجري خارج الإطار الإنساني ولا تعمل بلوغوس ثابت، ولا يجب أن ننظر لذواتنا كذوات خالصة وإنما يجب أن نتعهدها بالتفكير النقدي كما الآخرين، في نفس الوقت هذه العملية تجعلنا بمنأى عن التفكير الثنائي والتضاد والقسمات الكبرى، فليس هناك عقل علماني خالص كما ليس هناك عقل ديني خالص، فمثلاً الفاتكان كمقاطعة محكومة بمطلق سلطات الكنيسة الكاثوليكية قامت بنقد التراث المسيحي الذي لا يسمح بتداول المخطوطات التاريخية إلا على فئة القساوسة، وهذا تفكير علماني داخل العقل الديني.
وفي ختام حديثه عن العلمانيه قال: (ما يبعدنا عن المتعاليات هو صيرورة النقد بحيث لا نُعّرف العلمانية بمجوعة من النصوص التي لا يجب الخروج عنها، وإنما هي فتح المجال العام على التعدد والاختلاف والمغايرة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق